خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١٨١
-البقرة

الجامع لاحكام القرآن

فيه أربع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: { فَمَن بَدَّلَهُ } شَرْطٌ، وجوابه { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } و «ما» كافة لـ «إنّ» عن العمل. و «إثْمُهُ» رفع بالابتداء، { عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } موضع الخبر. والضمير في «بدّله» يرجع إلى الإيصاء؛ لأن الوصية في معنى الإيصاء، وكذلك الضمير في «سَمعه»، وهو كقوله: { { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ } [البقرة: 275] أي وعْظ، وقوله: { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } أي المال؛ بدليل قوله «منه». ومثله قول الشاعر:

ما هذه الصَّوْتُ

أي الصيحة. وقال ٱمرؤ القيس:

بَرَهْرَهَةٌ رُؤْدَةٌ رَخْصةكخرعوبة البانة المُنْفَطِر

والمنفطر المنتفخ بالورق، وهو أنعم ما يكون؛ ذهب إلى القضيب وترك لفظ الخرعوبة. و «سَمِعه» يحتمل أن يكون سمعه من الوصيّ نفسه، ويحتمل أن يكون سمعه ممن يثبت به ذلك عنده، وذلك عدلان. والضمير في «إثمه» عائد على التبديل، أي إثم التبديل عائد على المبدل لا على الميت؛ فإن الموصي خرج بالوصية عن اللوم وتوجّهت على الوارث أو الوليّ. وقيل: إن هذا الموصي إذا غيّر فترك الوصية أو لم يُجِزها على ما رُسم له في الشّرع فعليه الإثم.

الثانية: في هذه الآية دليل على أن الدَّين إذا أوصى به الميت خرج به عن ذمّته وحصل الوليّ مطلوباً به، له الأجر في قضائه، وعليه الوِزْر في تأخيره. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: «وهذا إنما يصح إذا كان الميت لم يفرّط في أدائه، وأمّا إذا قدر عليه وتركه ثم وصّى به فإنه لا يزيله عن ذمّته تفريط الوليّ فيه».

الثالثة: ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز؛ مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه، كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث؛ قاله أبو عمر.

الرابعة: قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } صفتان لله تعالى لا يخفى معهما شيء من جَنَف المُوصِين وتبديل المعتدين.