خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٧٦
أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
٧٧
-البقرة

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } هذا في المنافقين. وأصل «لقوا» لقِيُوا وقد تقدم. { وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } الآية في اليهود، وذلك أن ناساً منهم أسلموا ثم نافقوا، فكانوا يحدّثون المؤمنين من العرب بما عُذِّب به آباؤهم؛ فقالت لهم اليهود: { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } أي حكم الله عليكم من العذاب، ليقولوا نحن أكرم على الله منكم، عن ٱبن عباس والسُّدِّي. وقيل: "إن عليًّا لما نازل قُرَيظة يوم خَيْبر سَمع سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فٱنصرف إليه وقال: يا رسول الله، لا تبلغ إليهم، وعرَّض له؛ فقال: أظنك سمعت شتمي منهم لو رأوني لكفّوا عن ذلك ونهض إليهم، فلما رأوه أمسكوا، فقال لهم: أنقضتم العهد يا إخوة القردة والخنازير أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته" فقالوا: ما كنت جاهلاً يا محمد فلا تجهل علينا، من حدّثك بهذا؟ ما خرج هذا الخبر إلا من عندناٰ روي هذا المعنى عن مجاهد.

قوله تعالى: { وَإِذَا خَلاَ } الأصل في «خلا» خَلَوَ، قُلبت الواو ألفاً لتحرّكها وٱنفتاح ما قبلها؛ وتقدّم معنى «خلا» في أوّل السورة. ومعنى «فَتَحَ» حَكَم. والفتح عند العرب: القضاء والحُكم؛ ومنه قوله تعالى: { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } أي الحاكمين. والفَتَّاح: القاضي بلغة اليمن؛ يقال: بيني وبينك الفَتّاح؛ قيل ذلك لأنه ينصر المظلوم على الظالم. والفتح: النصر؛ ومنه قوله: { { يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [البقرة: 89]، وقوله: { { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } [الأنفال: 19] ويكون بمعنى الفرق بين الشيئين.

قوله تعالى: { لِيُحَآجُّوكُم } نصب بلام كيّ، وإن شئت بإضمار أنْ، وعلامة النصب حذف النون. قال يونس: وناس من العرب يفتحون لام كي. قال الأخفش: لأن الفتح الأصل. قال خلف الأحمر: هي لغة بني العنبر. ومعنى { لِيُحَآجُّوكُم } ليعيِّروكم، ويقولوا نحن أكرم على الله منكم. وقيل: المعنى ليحتجوا عليكم بقولكم؛ يقولون كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه. وقيل: إن الرجل من اليهود كان يلقى صديقه من المسلمين فيقول له: تمسّك بدين محمد فإنه نبيّ حقًّا. { عِندَ رَبِّكُمْ } قيل في الآخرة؛ كما قال: { { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [الزمر: 31]. وقيل: عند ذكر ربكم. وقيل: «عند» بمعنى «في» أي ليحاجّوكم به في ربكم؛ فيكونوا أحق به منكم لظهور الحجة عليكم؛ روي عن الحسن. والحجة: الكلام المستقيم على الإطلاق؛ ومن ذلك مَحَجّةُ الطريق. وحاججتُ فلاناً فحججته، أي غلبته بالحجة؛ ومنه الحديث: "فحجّ آدمُ موسى" . { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } قيل: هو من قول الأحبار للأتباع. وقيل: هو خطاب من الله تعالى للمؤمنين؛ أي أفلا تعقلون أن بني إسرائيل لا يؤمنون وهم بهذه الأحوال؛ ثم وبّخهم توبيخاً يُتْلَى فقال: { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ } الآية. فهو ٱستفهام معناه التوبيخ والتقريع. وقرأ الجمهور «يعلمون» بالياء، وٱبن مُحَيْصِن بالتاء؛ خطاباً للمؤمنين. والذي أسَرّوه كفرهم، والذي أعلنوه الجَحْدُ به.