خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ
١١٦
فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ
١١٧
إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ
١١٨
وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ
١١٩
-طه

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } تقدم في «البقرة» مستوفى. { فَقُلْنَا يٰآدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا } نهى؛ ومجازه: لا تقبلا منه فيكون ذلك سبباً لخروجكما { مِنَ ٱلْجَنَّةِ }. { فَتَشْقَىٰ } يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد؛ ولم يقل: فتشقيا؛ لأن المعنى معروف، وآدم عليه السلام هو المخاطب، وهو المقصود. وأيضاً لما كان الكادَّ عليها والكاسبَ لها كان بالشقاء أخص. وقيل: الإخراج واقع عليهما والشقاوة على آدم وحده، وهو شقاوة البدن؛ ألا ترى أنه عقبه بقوله: { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } أي في الجنة { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } فأعلمه أن له في الجنة هذا كله: الكسوة والطعام والشراب والمسكن؛ وأنك إن ضَيَّعت الوصية، وأطعت العدوّ أخرِجكما من الجنة فشقيت تعباً ونصباً؛ أي جُعْتَ وعريتَ وظَمئتَ وأصابتك الشمس؛ لأنك ترد إلى الأرض إذا أخرجت من الجنة. وإنما خصّه بذكر الشقاء ولم يقل فتشقيان: يعلمنا أن نفقة الزوجة على الزوج؛ فمن يومئذٍ جرت نفقة النساء على الأزواج، فلما كانت نفقة حواء على آدم كذلك نفقات بناتها على بني آدم بحق الزوجية. وأعلمنا في هذه الآية أن النفقة التي تجب للمرأة على زوجها هذه الأربعة: الطعام والشراب والكسوة والمسكن؛ فإذا أعطاها هذه الأربعة فقد خرج إليها من نفقتها؛ فإن تفضل بعد ذلك فهو مأجور، فأما هذه الأربعة فلا بد لها منها؛ لأن بها إقامة المهجة. قال الحسن المراد بقوله: «فتشقى» شقاء الدنيا؛ لا يُرى ابنُ آدم إلا ناصباً. وقال الفراء: هو أن يأكل من كَدّ يديه. وقال سعيد بن جبير: أهبط إلى آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه، ويمسح العرق عن جبينه، فهو شقاؤه الذي قال الله تبارك وتعالى. وقيل: لما أهبِط من الجنة كان من أول شقائه أن جبريل أنزل عليه حبات من الجنة؛ فقال: يا آدم ازرع هذا، فحرث وزرع، ثم حصد ثم درس ثم نقى ثم طحن ثم عجن ثم خبز، ثم جلس ليأكل بعد التعب؛ فتدحرج رغيفه من يده حتى صار أسفل الجبل، وجرى وراءه آدم حتى تعب وقد عرق جبينه، قال: يا آدم فكذلك رزقك بالتعب والشقاء، ورزق ولدك من بعدك ما كنت في الدنيا.

قوله تعالى: { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } فيه مسألتان:

الأولى: قوله تعالى: { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا } أي في الجنة { وَلاَ تَعْرَىٰ }.{ وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا } أي لا تعطش. والظمأ العطش. { وَلاَ تَضْحَىٰ } أي تبرز للشمس فتجد حرّها. إذ ليس في الجنة شمس، إنما هو ظل ممدود، كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. قال أبو العالية: نهار الجنة هكذا: وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر. قال أبو زيد: ضَحَا الطريقُ يَضْحُو ضُحُوًّا إذا بدا لك وظهر. وضَحَيْتُ وضَحِيتُ (بالكسر) ضَحاً عرِقت. وضَحِيتُ أيضاً للشمس ضَحاء ممدود بَرزتُ وضَحَيتُ (بالفتح) مثله، والمستقبل أَضْحَى في اللغتين جميعاً؛ قال عمر بن أبي ربيعة:

رَأَتْ رَجُلاً أَيْمَا إذا الشمسُ عَارضَتْفَيَضْحَى وأمَّا بالعَشِيِّ فَيَخْصَرُ

وفي الحديث أن ابن عمر رأى رجلاً محرماً قد استظل، فقال: أَضْحِ لمن أحرمت له. هكذا يرويه المحدِّثون بفتح الألف وكسر الحاء من أضحيت. وقال الأصمعي: إنما هو اضْحَ لمن أحرمتَ له؛ بكسر الألف وفتح الحاء، من ضَحِيت أَضْحَى؛ لأنه أمره بالبروز للشمس؛ ومنه قوله تعالى: { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } وأنشد:

ضَحِيتُ له كَيْ أَستظلَّ بِظلِّهِإِذا الظلُّ أَضْحَى في القيامة قَالِصا

وقرأ أبو عمرو والكوفيون إلا عاصما في رواية أبي بكر عنه «وَأَنَّكَ» بفتح الهمزة عطفاً على «أَلاَّ تَجُوعَ». ويجوز أن يكون في موضع رفع عطفاً على الموضع، والمعنى: ولك أنك لا تظمأ فيها. الباقون بالكسر على الاستئناف، أو على العطف على «إِنَّ لَكَ».