خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ
١٢٣
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ
١٢٤
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً
١٢٥
قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ
١٢٦
وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ
١٢٧
-طه

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً } خاطب آدم وإبليس. «مِنها» أي من الجنة. وقد قال لإبليس: { { ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } [الأعراف: 18] فلعله أخرِج من الجنة إلى موضع من السماء، ثم أُهبِط إلى الأرض. { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } تقدم في «البقرة» أي أنت عدوّ للحية ولإبليس وهما عدوّان لك. وهذا يدل على أن قوله: «اهبِطا» ليس خطاباً لآدم وحوّاء؛ لأنهما ما كانا متعاديين؛ وتضمن هبوط آدم هبوط حواء. { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } أي رشداً وقولاً حقاً. وقد تقدّم في «البقرة». { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ } يعني الرسل والكتب. { فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } قال ابن عباس: ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضلّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، وتلا الآية. وعنه: من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، ثم تلا الآية. { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } أي ديني، وتلاوة كتابي، والعمل بما فيه. وقيل: عما أنزلت من الدلائل. ويحتمل أن يحمل الذكر على الرسول؛ لأنه كان منه الذكر. { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } أي عيشاً ضيقاً؛ يقال: منزل ضنك وعيش ضنك يستوي فيه الواحد والاثنان والمذكر والمؤنث والجمع؛ قال عنترة:

إنْ يُلحقوا أَكْررْ وإنْ يُستلحَمُواأَشدُدْ وإنْ يُلْفَوْا بضَنْكٍ أنزِل

وقال أيضاً:

إنّ المنيةَ لو تُمثَّل مُثِّلتْمثلي إذا نَزلُوا بضَنْكِ المنزلِ

وقرىء «ضَنْكَى» على وزن فَعْلَى: ومعنى ذلك أن الله عز وجل جعل مع الدين التسليم والقناعة والتوكل عليه وعلى قسمته، فصاحبه ينفق مما رزقه الله ـ عز وجل ـ بسماح وسهولة ويعيش عيشاً رافِغاً؛ كما قال الله تعالى: { { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [النمل: 97]. والمعرض عن الدين مستولٍ عليه الحرص الذي لا يزال يطمح به إلى الازدياد من الدنيا، مسلط عليه الشحّ، الذي يقبض يده عن الإنفاق، فعيشه ضَنك، وحاله مظلمة، كما قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته، وتَشوَّش عليه رزقُه، وكان في عيشة ضنك. وقال عكرمة: «ضَنْكاً» كسباً حراماً. الحسن: طعام الضَّرِيع والزَّقُّوم. وقول رابع وهو الصحيح أنه عذاب القبر؛ قاله أبو سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود، ورواه أبو هريرة مرفوعاً: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرناه في كتاب «التذكرة»؛ قال أبو هريرة: يضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وهو المعيشة الضنك. { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } قيل: أعمى في حال وبصيراً في حال؛ وقد تقدّم في آخر «سبحان». وقيل: أعمى عن الحجة؛ قاله مجاهد. وقيل: أعمى عن جهات الخير، لا يهتدي لشيء منها. وقيل: عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه، كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه. { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ } أي بأي ذنب عاقبتني بالعمى. { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } أي في الدنيا، وكأنه يظن أنه لا ذنب له. وقال ابن عباس ومجاهد: أي { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ } عن حجتي { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } أي عالماً بحجتي؛ القشيري: وهو بعيد إذ ما كان للكافر حجة في الدنيا. { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا } أي قال الله تعالى له: { كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا } أي دلالاتنا على وحدانيتنا وقدرتنا. { فَنَسِيتَهَا } أي تركتها ولم تنظر فيها، وأعرضت عنها. { وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } أي تترك في العذاب؛ يريد جهنم. { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ } أي وكما جزينا من أعرض عن القرآن، وعن النظر في المصنوعات، والتفكر فيها، وجاوز الحدّ في المعصية. { وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ } أي لم يصدق بها. { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ } أي أفظع من المعيشة الضّنك، وعذاب القبر. { وَأَبْقَىٰ } أي أدوم وأثبت؛ لأنه لا ينقطع ولا ينقضي.