خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ
١٩
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ
٢٠
قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا ٱلأُولَىٰ
٢١
وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ آيَةً أُخْرَىٰ
٢٢
لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ
٢٣
-طه

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قَالَ أَلْقِهَا يٰمُوسَىٰ }: لما أراد الله تعالى أن يُدرِّبه في تلقي النبوّة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا { فَأَلْقَاهَا } موسى فقلب الله أوصافها وأعراضها. وكانت عصا ذات شُعبتين فصارت الشُّعبتان لها فماً، وصارت حية تسعى أي تنتقل، وتمشي وتلتقم الحجارة؛ فلما رآها موسى عليه السلام رأى عبرة فـ { وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } [النمل: 10] فقال الله له: { خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ } وذلك أنه { { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً } [طه: 67] أي لحقه ما يلحق البشر. وروي أن موسى تناولها بكمي جُبَّته فنُهي عن ذلك، فأخذها بيده فصارت عصاً كما كانت أول مرة وهي سيرتها الأولى، وإنما أظهر له هذه الآية لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون. ويقال: إن العصا بعد ذلك كانت تماشيه وتحادثه ويعلق عليها أحماله، وتضيء له الشُّعبتان بالليل كالشّمع؛ وإذا أراد الاستقاء انقلبت الشّعبتان كالدلو، وإذا اشتهى ثمرة ركزها في الأرض فأثمرت تلك الثمرة. وقيل: إنها كانت من آس الجنة. وقيل: أتاه جبريل بها. وقيل: مَلَك. وقيل قال له شعيب: خذ عصا من ذلك البيت فوقعت بيده تلك العصا، وكانت عصا آدم عليه السلام هبط بها من الجنة. والله أعلم.

قوله تعالى: { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } النحاس: ويجوز «حَيَّةً»؛ يقال: خرجت فإذا زيد جالس وجالساً. والوقف «حَيه» بالهاء. والسعي المشي بسرعة وخفة. وعن ابن عباس: انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيء خافه ونفر منه. وعن بعضهم: إنما خاف منه لأنه عرف ما لقي آدمُ منها. وقيل لما قال له ربه: «لاَ تَخَفْ» بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها. { سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأُولَىٰ } سمعت علي بن سليمان يقول: التقدير إلى سيرتها، مثل «وَاخْتَارَ مُوسىَ قَوْمَهُ» قال: ويجوز أن يكون مصدراً لأن معنى سنعيدها سنسيّرها.

قوله تعالى: { وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ } يجوز في غير القرآن ضُمّ بفتح الميم وكسرها لالتقاء الساكنين، والفتح أجود لخفته، والكسر على الأصل. ويجوز الضم على الإتباع. ويَدٌ أصلها يَدْيٌ على فَعْل؛ يدل على ذلك أيدٍ. وتصغيرها يُدَيَّة. والجناح العضد؛ قاله مجاهد. وقال: «إلى» بمعنى تحت. قطرب: { إِلَىٰ جَنَاحِكَ } إلى جيبك؛ ومنه قول الراجز:

أَضُمُّه للصدر والجَنَاحِ

وقيل: إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائِل في محل الجناح. وقيل: إلى عندك. وقال مقاتل: «إلى» بمعنى مع أي مع جناحك. و{ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } من غير برص نوراً ساطعاً، يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءاً. عن ابن عباس وغيره: فخرجت نوراً مخالفة للونه. و«بَيْضَاءَ» نصب على الحال، ولا ينصرف لأن فيها ألفي التأنيث لا يزايلانها فكأن لزومهما علّة ثانية، فلم ينصرف في النكرة، وخالفَتَا الهاء لأن الهاء تفارق الاسم. و{ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } «من» صلة «بيضاء» كما تقول: ابيضت من غير سوء. { آيَةً أُخْرَىٰ } سوى العصا. فأخرج يده من مِدْرَعة له مصرية لها شعاع مثل شعاع الشمس يعشي البصر. و«آيةً» منصوبة على البدل من بيضاء؛ قاله الأخفش. النحاس: وهو قول حسن. وقال الزجاج: المعنى آتيناك آية أخرى أو نؤتيك؛ لأنه لما قال: { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } دل على أنه قد آتاه آية أخرى. { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا ٱلْكُبْرَىٰ } يريد العظمى. وكان حقه أن يقول الكبيرة، وإنما قال: «الكبرى» لوفاق رؤوس الآي. وقيل: فيه إضمار؛ معناه لنريك من آياتنا الآية الكبرى؛ دليله قول ابن عباس: يد موسى أكبر آياته.