خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ
٤٦
-طه

الجامع لاحكام القرآن

فيه مسألتان:

الأولى: قال العلماء: لمّا لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرّفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه. وهذه الآية تردّ على من قال: إنه لا يخاف؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم. ولقد أحسن البصريرحمه الله حين قال للمخبر عن عامر بن عبد الله ـ أنه نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء، فحال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له: فقد خاطرت بنفسك. فقال: لأَن تختلف الأسنَّة في جَوْفي أحبَّ إليَّ من أن يعلم الله أني أخاف شيئاً سواه ـ: قد خاف من كان خيراً من عامر؛ موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له الرجل: { إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [القصص: 20 ـ 21] وقال: { { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } [القصص: 18] وقال حين ألقى السحرةُ حبالهم وعصيّهم: { { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [طه: 67 ـ 68].

قلت: ومنه حَفْر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصيناً للمسلمين وأموالهم، مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحد؛ ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم، مرة إلى الحبشة، ومرة إلى المدينة؛ تخوفاً على أنفسهم من مشركي مكة؛ وهرباً بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. وقد قالت أسماء بنت عميس لعمر لما قال لها سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم: كذبت يا عمر؛ كلاّ والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُطعِم جائعَكم، ويَعظ جاهلَكم، وكنا في دار ـ أو أرض ـ البُعداء البُغضاء في الحبشة؛ وذلك في الله وفي رسوله؛ وأيمُ اللَّهِ لا أَطْعَم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أذكر ما قلتَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نُؤذَى ونُخاف. الحديث بطوله خرجه مسلم. قال العلماء: فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بني آدم (عليه) كاذب؛ وقد طبعهم على الهرب مما يضرها ويؤلمها أو يتلفها. قالوا: ولا ضار أضرّ من سبع عادٍ في فلاة من الأرض على من لا آلة معه يدفعه بها عن نفسه، من سيف أو رمح أو نبل أو قوس وما أشبه ذلك.

الثانية: قوله تعالى: { إِنَّنِي مَعَكُمَآ } يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون. وهذا كما تقول: الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه. وقوله: { أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } عبارة عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية، تبارك الله رب العالمين.