خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ
١٢
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
١٣
ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ
١٤
-المؤمنون

الجامع لاحكام القرآن

فيه خمس مسائل:

الأولى: قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ } الإنسان هنا آدم عليه الصلاة والسلام؛ قاله قتادة وغيره، لأنه استُلّ من الطين. ويجيء الضمير في قوله: «ثم جعلناه» عائداً على ابن آدم، وإن كان لم يُذكر لشهرة الأمر؛ فإن المعنى لا يصلح إلا له. نظير ذلك { { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [صۤ: 32]. وقيل: المراد بالسلالة ابن آدم؛ قاله ابن عباس وغيره. والسلالة على هذا صفوة الماء، يعني المنيّ. والسلالة فُعالة من السَّل وهو استخراج الشيء من الشيء؛ يقال: سللت الشعر من العجين، والسيف من الغِمد فانسل؛ ومنه قوله:

فُسلِّـي ثيـابـي مـن ثيـابـك تَـنْـسُـلِ

فالنطفة سُلالة، والولد سَليل وسُلاَلة؛ عنى به الماء يُسَلّ من الظهر سَلاًّ. قال الشاعر:

فجاءت به عَضْبَ الأدِيم غَضنْفَراًسلالةَ فَرْج كان غيرَ حصِين

وقال آخر:

وما هِنْدُ إلاّ مُهْرَةٌ عربِيّةسليلةُ أفراسٍ تجلّلها بَغْل

وقوله: «من طين» أي أن الأصل آدم وهو من طين.

قلت: أي من طين خالص؛ فأما ولده فهو من طين ومنِيّ، حسبما بيناه في أول سورة الأنعام. وقال الكَلْبِيّ: السلالة الطين إذا عصرته انسل من بين أصابعك؛ فالذي يخرج هو السُّلالة.

الثانية: قوله تعالى: { نُطْفَةً } قد مضى القول في النُّطْفة والعَلَقة والمُضْغة وما في ذلك من الأحكام في أول الحج، والحمد لله على ذلك.

الثالثة: قوله تعالى: { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } اختلف الناس في الخلق الآخر؛ فقال ابن عباس والشَّعْبِيّ وأبو العالية والضحاك وابن زيد: هو نفخ الروح فيه بعد أن كان جماداً. وعن ابن عباس: خروجه إلى الدنيا. وقال قتادة عن فرقة: نبات شعره. الضحاك: خروج الأسنان ونباتُ الشعر. مجاهد: كمال شبابه؛ وروي عن ابن عمر. والصحيح أنه عام في هذا وفي غيره من النطق والإدراك وحسن المحاولة وتحصيل المعقولات إلى أن يموت.

الرابعة: قوله تعالى: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } يروى أن عمر بن الخطاب لما سمع صدر الآية إلى قوله: { خَلْقاً آخَرَ } قال فتبارك الله أحسن الخالقين؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هكذا أنزلت». وفي مسند الطَّيَالِسِيّ: ونزلت { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ } الآية؛ فلما نزلت قلت أنا: تبارك الله أحسن الخالقين؛ فنزلت { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ }. ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جَبَل. وروي أن قائل ذلك عبد الله بن أبي سَرْح، وبهذا السبب ارتد وقال؛ آتي بمثل ما يأتي محمد؛ وفيه نزل { { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } [الأنعام: 93] على ما تقدم بيانه في «الأنعام». وقوله تعالى «تبارك» تفاعل من البركة. { أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } أتقن الصانعين. يقال لمن صنع شيئاً خَلَقه؛ ومنه قول الشاعر:

ولأنت تَفْرِي ما خلقتَ وبعــضُ القوم يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي

وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس وإنما يضاف الخلق إلى الله تعالى. وقال ابن جُريج: إنما قال: «أحسن الخالقين» لأنه تعالى قد أذن لعيسى عليه السلام أن يخلق؛ واضطرب بعضهم في ذلك. ولا تُنْفَى اللفظة عن البشر في معنى الصنع؛ وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم.

الخامسة: من هذه الآية قال ابن عباس لعمر حين سأل مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا: الله أعلم؛ فقال عمر: ما تقول يا ابن عباس؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق السموات سبعاً والأَرضِين سبعاً، وخلق ابن آدم من سبع وجعل رزقه في سبع، فأراها في ليلة سبع وعشرين. فقال عمر رضي الله عنه: أعجزكم أن تأتوا بمثل ما أتى هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه. وهذا الحديث بطوله في مسند ابن أبي شيبة. فأراد ابن عباس «خلق ابن آدم من سبع» بهذه الآية، وبقوله: «وجعل رزقه في سبع» قوله: { { فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً } [عبس: 27 ـ 31] الآية. السبع منها لابن آدم، والأَبُّ للأنعام. والقَضْبُ يأكله ابن آدم ويَسْمَن منه النساء؛ هذا قول. وقيل: القَضْب البقول لأنها تُقْضَبُ؛ فهي رزق ابنِ آدم. وقيل: القَضْب والأبّ للأنعام، والستُّ الباقية لابن آدم، والسابعةُ هي الأنعام؛ إذ هي من أعظم رزق ابن آدم.