خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٢٧
-النور

الجامع لاحكام القرآن

فيه سبع عشرة مسألة:

الأولى: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً } لما خصّص الله سبحانه ابن آدم الذي كرّمه وفضّله بالمنازل وسترهم فيها عن الأبصار، وملّكهم الاستمتاع بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها من غير إذن أربابها، أدّبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عَوْرة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حلّ لهم أن يفقئوا عينه" . وقد اختلف في تأويله؛ فقال بعض العلماء: ليس هذا على ظاهره، فإن فقأ فعليه الضمان، والخبر منسوخ، وكان قبل نزول قوله تعالى: { { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ } [النحل: 126]. ويحتمل أن يكون خارج على وجه الوعيد لا على وجه الحتم، والخبر إذا كان مخالفاً لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به. وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في الظاهر وهو يريد شيئاً آخر؛ كما جاء في الخبر أن عباس بن مِرْداس لما مدحه قال لبلال: «قم فاقطع لسانه» وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئاً، ولم يرد به القطع في الحقيقة. وكذلك هذا يحتمل أن يكون ذكر فَقْء العين والمراد أن يعمل به عمل حتى لا ينظر بعد ذلك في بيت غيره. وقال بعضهم: لا ضمان عليه ولا قصاص؛ وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لحديث أنس، على ما يأتي.

الثانية: سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري وغيره عن عَدِيّ بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحِبّ أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل عليّ وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن؛ فأنزل الله تعالى: { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } [النور: 92].

الثالثة: مدّ الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس، وهو الاستئذان. قال ابن وهب قال مالك: الاستئناس فيما نرى والله أعلم الاستئذان؛ وكذا في قراءة أبَيّ وابن عباس وسعيد بن جُبير «حَتَّى تَسْتَأذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا». وقيل: إن معنى «تستأنسوا» تستعلموا؛ أي تستعلموا من في البيت. قال مجاهد: بالتنحنح أو بأي وجه أمكن، ويتأنّى قدرَ ما يعلم أنه قد شُعِر به، ويدخل إثْر ذلك. وقال معناه الطبري؛ ومنه قوله تعالى: { { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [النساء: 6] أي علمتم. وقال الشاعر:

آنَستْ نَبْأة وأفزعها القَنّــاص عصراً وقد دنا الإمساء

قلت: وفي سنن ابن ماجه: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا عبد الرحيم بن سليمان عن واصل بن السائب عن أبي سَوْرة عن أبي أيوب الأنصاريّ قال: قلنا: يا رسول الله، هذا السلام، فما الاستئناس؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح ويؤذن أهل البيت" .

قلت: وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان؛ كما قال مجاهد ومن وافقه.

الرابعة: وروي عن ابن عباس وبعض الناس يقول عن سعيد بن جُبير { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } خطأ أو وَهَم من الكاتب، إنما هو «حتى تستأذنوا». وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره؛ فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ }، وصح الإجماع فيها من لَدُن مدّة عثمان، فهي التي لا يجوز خلافها. وإطلاق الخطأ والوَهَم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس؛ وقد قال عز وجل: { { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 24]، وقال تعالى: { { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]. وقد روي عن ابن عباس أن في الكلام تقديماً وتأخيراً؛ والمعنى: حتى تسلِّموا على أهلها وتستأنسوا؛ حكاه أبو حاتم. قال ابن عطية: ومما يَنْفِي هذا القول عن ابن عباس وغيره أن «تستأنسوا» متمكنة في المعنى، بيّنةُ الوجه في كلام العرب. وقد قال عمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أستأنس يا رسول الله؛ وعمر واقف على باب الغرفة، الحديث المشهور. وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم، فكيف يخطّىء ابن عباس أصحاب الرسول في مثل هذا.

قلت: قد ذكرنا من حديث أبي أيوب أن الاستئناس إنما يكون قبل السلام، وتكون الآية على بابها لا تقديم فيها ولا تأخير، وأنه إذا دخل سلّم، والله أعلم.

الخامسة: السنّة في الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها. قال ابن وهب قال مالك: الاستئذان ثلاث، لا أحب أن يزيد أحد عليها، إلا من عَلم أنه لم يُسمع، فلا أرى بأساً أن يزيد إذا استيقن أنه لم يُسمع. وصورة الاستئذان أن يقول الرجل: السلام عليكم أأدخل؛ فإن أُذِن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سُكت عنه استأذن ثلاثاً؛ ثم ينصرف من بعد الثلاث. وإنما قلنا: إن السنّة الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها لحديث أبي موسى الأشعريّ، الذي استعمله مع عمر بن الخطاب وشهد به لأبي موسى أبو سعيد الخُدريّ، ثم أبيّ بن كعب. وهو حديث مشهور أخرجه الصحيح، وهو نص صريح؛ فإن فيه: فقال ـ يعني عمر ـ ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: أتيتُ فسلّمت على بابك ثلاث مرات فلم ترد عليّ فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع" . وأما ما ذكرناه من صورة الاستئذان فما رواه أبو داود "عن رِبْعِيّ قال: حدّثنا رجل من بني عامر استأذن على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: ألج؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان ـ فقال له ـ قل السلام عليكم أأدخلفسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل" . وذكره الطبري وقال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأَمة له يقال لها «روضة»: "قولي لهذا يقول السلام عليكم أدخل؟" الحديث. وروي أن ابن عمر آذته الرّمضاء يوماً فأتى فسطاطاً لامرأة من قريش فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقالت المرأة: ادخل بسلام؛ فأعاد فأعادت، فقال لها: قولي ادخل. فقالت ذلك فدخل؛ فتوقف لما قالت: بسلام؛ لاحتمال اللفظ أن تريد بسلامك لا بشخصك.

السادسة: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إنما خُصّ الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثاً سُمع وفُهم؛ ولذلك كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى يُفهم عنه، وإذا سلّم على قوم سلّم عليهم ثلاثاً. وإذا كان الغالب هذا؛ فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر أن ربّ المنزل لا يريد الإذن، أو لعلّه يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه؛ فينبغي للمستأذن أن ينصرف؛ لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل، وربما يضره الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشغولاً به؛ كما "قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب حين استأذن عليه فخرج مستعجلاً فقال: لعلنا أعجلناك..." الحديث. وروى عقيل عن ابن شهاب قال: أما سنة التسليمات الثلاث "فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعد بن عُبادة فقال: السلام عليكم فلم يردّوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم فلم يردّوا، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما فَقَد سعدٌ تسليمَه عرف أنه قد انصرف؛ فخرج سعد في أثره حتى أدركه، فقال: وعليكم السلام يا رسول الله، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك، وقد والله سمعنا؛ فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سعد حتى دخل بيته" . قال ابن شهاب: فإنما أخِذ التسليم ثلاثاً من قِبَل ذلك؛ ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعيّ قال: سمعت يحيـى بن أبي كثير يقول حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زُرارة "[عن قيس بن سعد] قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: السلام عليكم ورحمة اللهقال فردّ سعد ردًّا خفيا، قال قيس: فقلت ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ذره يكثر علينا من السلام... الحديث" ، أخرجه أبو داود وليس فيه «قال ابن شهاب فإنما أخذ التسليم ثلاثاً من قبل ذلك». قال أبو داود: ورواه عمر بن عبد الواحد وابن سماعة عن الأوزاعيّ مرسلاً لم يذكرا قيس بن سعد.

السابعة: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الاستئذان تَرَك العملَ به الناس. قال علماؤنا رحمة الله عليهم: وذلك لاتخاذ الناس الأبواب وقرعها؛ والله أعلم. روى أبو داود عن عبد الله بن بُسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: «السلام عليكم السلام عليكم» وذلك أن الدُّور لم يكن عليها يومئذٍ ستور.

الثامنة: فإن كان الباب مردوداً فله أن يقف حيث شاء منه ويستأذن، وإن شاء دقّ الباب؛ لما رواه أبو موسى الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط بالمدينة على قُفّ البئر فمد رجليه في البئر فدق الباب أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اِيذن له وبشره بالجنة». هكذا رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد وتابعه صالح بن كَيْسان ويونس بن يزيد؛ فرووه جميعاً عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن نافع عن أبي موسى. وخالفهم محمد بن عمرو الليثي فرواه عن أبي الزناد عن أبي سلمة عن نافع بن عبد الحارث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كذلك؛ وإسناده الأوّل أصح، والله أعلم.

التاسعة: وصفة الدق أن يكون خفيفاً بحيث يسمع، ولا يعنُف في ذلك؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت أبواب النبيّ صلى الله عليه وسلم تقرع بالأظافير؛ ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في جامعه.

العاشرة: روى الصحيحان وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:

استأذنت على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذا؟» فقلت أنا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنا أنا»! كأنه كره ذلك. قال علماؤنا: إنما كره النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك لأن قوله أنا لا يحصل بها تعريف، وإنما الحكم في ذلك أن يذكر اسمه كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو موسى؛ لأن في ذكر الاسم إسقاط كُلْفة السؤال والجواب. ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في مَشْربة له فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليكم أيدخل عمر؟ وفي صحيح مسلم أن أبا موسى جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: السلام عليكم، هذا أبو موسى، السلام عليكم، هذ الأشعري... الحديث.

الحادية عشرة: ذكر الخطيب في جامعه عن عليّ بن عاصم الواسطي قال: قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة فدققت عليه الباب فقال: من هذا؟ قلت: أنا؛ فقال: يا هذاٰ ما لي صديق يقال له أنا؛ ثم خرج إليّ فقال: حدّثني محمد بن المُنْكَدِر عن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في حاجة لي فطرقت عليه الباب فقال: «من هذا؟» فقلت أنا؛ فقال: «أنا أنا»! كأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قولي هذا، أو قوله هذا. وذكر عن عمر بن شَبّة حدّثنا محمد بن سلام عن أبيه قال: دققت على عمرو بن عُبيد الباب فقال لي: من هذا؟ فقلت: أنا؛ فقال: لا يعلم الغيب إلا الله. قال الخطيب: سمعت عليّ بن المُحَسِّن القاضي يحكي عن بعض الشيوخ أنه كان إذا دُقّ بابُه فقال من ذا؟ فقال الذي على الباب أنا، يقول الشيخ: أنا هَمٌّ دَقّ.

الثانية عشرة: ثم لكل قوم في الاستئذان عُرْفُهم في العبارة؛ كما رواه أبو بكر الخطيب مسنداً عن أبي عبد الملك مولى أمّ مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال: أرسلتني مولاتي إلى أبي هريرة فجاء معي، فلما قام بالباب قال: أندر؟ قالت أندرون. وترجم عليه (باب الاستئذان بالفارسية). وذكر عن أحمد بن صالح قال: كان الدّراوَرْدِيّ من أهل أصبهان نزل المدينة، فكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل: أندرون، فلقبه أهل المدينة الدراوردي.

الثالثة عشرة: روى أبو داود عن كَلدة بن حنبل أن صفوان بن أمَيّة بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن وجَدَاية وضَغَابِيس والنبيّ صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة، فدخلت ولم أسلم فقال: "ارجع فقل السلام عليكم" وذلك بعد ما أسلم صفوان بن أمية. وروى أبو الزبير عن جابر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له" . وذكر ابن جُريج أخبرني عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: إذا قال الرجل أدخل؟ ولم يسلم فقل لا حتى تأتي بالمفتاح؛ فقلت السلام عليكم؟ قال: نعم. وروي أن حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال حذيفة: أما بعينك فقد دخلت! وأما بآستك فلم تدخل.

الرابعة عشرة: ومما يدخل في هذا الباب ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "رسولُ الرجلِ إلى الرجل إذْنُه" ؛ أي إذا أرسل إليه فقد أذن له في الدخول، يبينه قوله عليه السلام: "إذا دُعِيَ أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن" . أخرجه أبو داود أيضاً عن أبي هريرة.

الخامسة عشرة: فإن وقعت العين على العين فالسلام قد تعيّن، ولا تَعدّ رؤيته إذناً لك في دخولك عليه، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد عليه تقول: أدخل؟ فإن أذن لك وإلا رجعت.

السادسة عشرة: هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها، إلا أنك تسلّم إذا دخلت. قال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلّم على أهلك، فهم أحق من سلمت عليهم. فإن كان فيه معك أمك أو أختك فقالوا: تنحنح واضرب برجلك حتى ينتبها لدخولك؛ لأن الأهل لا حشمة بينك وبينها. وأما الأم والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها. قال ابن القاسم قال مالك: ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما. وقد روى عطاء بن يسار " أن رجلاً قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال: نعم قال: إني أخدمها؟ قال: استأذن عليها فعاوده ثلاثاً؛ قال: أتحب أن تراها عُريانة؟ قال: لا؛ قال:فاستأذن عليها" ذكره الطبري.

السابعة عشرة: فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد؛ فقال علماؤنا: يقول السلام علينا، من ربّنا التحيات الطيبات المباركات، لله السلام. رواه ابن وهب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسنده ضعيف. وقال قتادة: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ فإنه يؤمر بذلك. قال: وذكر لنا أن الملائكة تردّ عليهم. قال ابن العربي: والصحيح ترك السلام والاستئذان، والله أعلم.

قلت: قول قتادة حَسَن.