خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣١
-النور

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } إلى قوله: { مِن زِينَتِهِنَّ } فيه ثلاث وعشرون مسألة:

الأولى: قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ } خصّ الله سبحانه وتعالى الإناث هنا بالخطاب على طريق التأكيد؛ فإن قوله: «قل للمؤمنين» يكفي؛ لأنه قول عام يتناول الذَّكَر والأنثى من المؤمنين، حسب كلّ خطاب عام في القرآن. وظهر التضعيف في «يَغْضُضْنَ» ولم يظهر في «يَغُضُّوا» لأن لام الفعل من الثاني ساكنة ومن الأوّل متحركة، وهما في موضع جزم جواباً. وبدأ بالغَضّ قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب؛ كما أن الحُمَّى رائد الموت. وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:

ألم تر أن العين للقلب رائدما تألف العينان فالقلب آلف

وفي الخبر: «النظر سَهْم من سهام إبليس مسموم فمن غضّ بصره أورثه الله الحلاوة في قلبه». وقال مجاهد: إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزيّنها لمن ينظر؛ فإذا أدبرت جلس على عَجُزها فزيّنها لمن ينظر. وعن خالد بن أبي عمران قال: لا تُتْبِعنّ النظرة النظرة فربما نظر العبد نظرةً نَغِل منها قلبُه كما يَنْغَل الأديم فلا يُنتفع به. فأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار عما لا يحل؛ فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة، ولا المرأة إلى الرجل؛ فإن علاقتها به كعلاقته بها؛ وقصدها منه كقصده منها. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر..." الحديث. وقال الزهري في النظر إلى التي لم تَحِض من النساء: لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يُشْتَهَى النظرُ إليهن وإن كانت صغيرة. وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري. وفي الصحيحين عنه عليه السلام أنه صرف وجه الفضل عن الخَثْعَمِيّة حين سألته، وطَفِق الفضل ينظر إليها. وقال عليه السلام: "الغَيْرة من الإيمان والمِذاء من النفاق" . والمِذَاء هو أن يجمع الرجل بين النساء والرجال ثم يخلّيهم يُماذِي بعضهم بعضاً؛ مأخوذ من المَذْي. وقيل: هو إرسال الرجال إلى النساء؛ من قولهم: مَذَيْتُ الفرس إذا أرسلتَها تَرْعَى. وكلّ ذَكَرَ يَمْذي، وكلّ أنثى تَقْذِي؛ فلا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحلّ له، أو لمن هي محرّمة عليه على التأبيد؛ فهو آمن أن يتحرّك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها.

الثانية: روى الترمذِيّ "عن نَبْهان مولى أم سلمة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد دخل عليها ابن أمّ مَكْتُوم: احتجِبا فقالتا: إنه أعمى؛ قال: أفَعَمْيَاوَانِ أنتما ألستما تُبصرانه" . فإن قيل: هذا الحديث لا يصحّ عند أهل النقل لأن راويه عن أم سلمة نبهان مولاها وهو ممن لا يحتج بحديثه. وعلى تقدير صحته فإن ذلك منه عليه السلام تغليظ على أزواجه لحرمتهن كما غلظ عليهن أمر الحجاب؛ كما أشار إليه أبو داود وغيره من الأئمة. ويبقى معنى الحديث الصحيح الثابت وهو "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تعتدّ في بيت أمّ شَريك؛ ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أمّ مَكْتُوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ولا يراك" . قلنا: قد استدلّ بعض العلماء بهذا الحديث على أن المرأة يجوز لها أن تطلع من الرجل على ما لا يجوز للرجل أن يطلع من المرأة كالرأس ومعلّق القُرْط؛ وأما العورة فلا. فعلى هذا يكون مخصصاً لعموم قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ }، وتكون «من» للتبعيض كما هي في الآية قبلها. قال ابن العربي: وإنما أمرها بالانتقال من بيت أمّ شَريك إلى بيت ابن أمّ مكتوم لأن ذلك أوْلى بها من بقائها في بيت أمّ شريك؛ إذ كانت أمّ شريك مؤثرة بكثرة الداخل إليها، فيكثر الرائي لها، وفي بيت ابن أمّ مكتوم لا يراها أحد؛ فكان إمساك بصرها عنه أقرب من ذلك وأوْلى، فرخص لها في ذلك، والله أعلم.

الثالثة: أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية حذاراً من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة؛ واختلف الناس في قدر ذلك؛ فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب. وزاد ابن جبير الوجه. وقال سعيد بن جبير أيضاً وعطاء والأوزاعِيّ: الوجه والكفان والثياب. وقال ابن عباس وقتادة والمِسْوَر بن مَخْرَمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسّوار والخِضاب إلى نصف الذراع والقِرطة والفَتَخ؛ ونحو هذا فمباح أن تُبدِيه المرأة لكل من دخل عليها من الناس. وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثاً عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكر آخرَ عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر إذا عركَت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى هاهنا" وقبض على نصف الذراع. قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تُبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بدّ منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك. فـ«ـما ظهر» على هذا الوجه مما تؤدّي إليه الضرورة في النساء فهو المعفوّ عنه.

قلت: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورَهما عادةً وعبادةً وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما. يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رِقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المِحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذاوأشار إلى وجهه وكفّيه" . فهذا أقوى في جانب الاحتياط؛ ولمراعاة فساد الناس فلا تُبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفّيها، والله الموفق لا ربّ سواه. وقد قال ابن خُوَيْزِمَنْدَاد من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة وخِيف من وجهها وكفّيها الفتنةُ فعليها سَتر ذلك؛ وإن كانت عجوزاً أو مُقَبَّحة جاز أن تكشف وجهها وكفّيها.

الرابعة: الزينة على قسمين: خِلْقِية ومُكتسَبة؛ فالخِلْقية وجهها فإنه أصل الزينة وجمال الخلقة ومعنى الحيوانية؛ لما فيه من المنافع وطرق العلوم. وأما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خِلقتها؛ كالثياب والحلي والكُحْل والخِضاب؛ ومنه قوله تعالى: { { خُذُواْ زِينَتَكُمْ } [الأعراف: 13]. وقال الشاعر:

يأخُذْن زينتهنّ أحسنَ ما تَرَىوإذا عَطِلن فهنّ خير عواطل

الخامسة: من الزينة ظاهر وباطن؛ فما ظهر فمباح أبداً لكل الناس من المحارم والأجانب؛ وقد ذكرنا ما للعلماء فيه. وأما ما بَطَن فلا يحل إبداؤه إلا لمن سمّاهم الله تعالى في هذه الآية، أو حلّ محلهم. واختلف في السُّوار، فقالت عائشة: هو من الزينة الظاهرة لأنها في اليدين. وقال مجاهد: هي من الزينة الباطنة؛ لأنها خارج عن الكفين وإنما تكون في الذراع. قال ابن العربي: وأما الخضاب فهو من الزينة الباطنة إذا كان في القدمين.

السادسة: قوله تعالى: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } قرأ الجمهور بسكون اللام التي هي للأمر. وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس بكسرها على الأصل؛ لأن اصل [ لام] الأمر الكسر، وحذفت الكسرة لثقلها، وإنما تسكينها لتسكين عَضُد وفَخِذ. و«يَضْرِبْن» في موضع جزم بالأمر، إلا أنه بُني على حالة واحدة إتباعاً للماضي عند سيبويه. وسبب هذه الآية أن النساء كنّ في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهنّ بالأخمرة وهي المقانع سدَلْنَها من وراء الظهر. قال النقاش: كما يصنع النَّبَط؛ فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك؛ فأمر الله تعالى بلَيّ الخمار على الجيوب، وهيئة ذلك أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها لتستر صدرها. روى البخاري عن عائشة أنها قالت: رحم الله نساءَ المهاجرات الأُوَل؛ لما نزل: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } شَقَقْن أُزُرَهن فاختمرن بها. ودخلت على عائشة حفصةُ بنت أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهم وقد اختمرت بشيء يَشِفّ عن عنقها وما هنالك؛ فشقّته عليها وقالت: إنما يُضرب بالكثيف الذي يستر.

السابعة: الخُمُر: جمع الخِمار، وهو ما تغطّي به رأسها؛ ومنه اختمرت المرأة وتخمّرت، وهي حَسَنة الخِمْرة. والجيوب: جمع الجيب، وهو موضع القطع من الدّرع والقيمص؛ وهو من الجَوْب وهو القطع. ومشهور القراءة ضم الجيم من «جيوبهن». وقرأ بعض الكوفيين بكسرها بسبب الياء؛ كقراءتهم ذلك في: بيوت وشيوخ. والنحويون القدماء لا يجيزون هذه القراءة ويقولون: بيت وبيوت كفَلْس وفُلوس. وقال الزجاج: يجوز على أن تبدل من الضمة كسرة؛ فأما ما روي عن حمزة من الجمع بين الضم والكسر فمحال، لا يقدر أحد أن ينطق به إلا على الإيماء إلى ما لا يجوز. وقال مقاتل: «على جيوبهنّ» أي على صدورهنّ؛ يعني على مواضع جيوبهنّ.

الثامنة: في هذه الآية دليل على أن الجيْب إنما يكون في الثوب موضعَ الصدر. وكذلك كانت الجيوب في ثياب السلَف رضوان الله عليهم؛ على ما يصنعه النساء عندنا بالأندلس وأهل الديار المصرية من الرجال والصبيان وغيرهم. وقد ترجم البخارِيّ رحمة الله تعالى عليه (باب جيب القميص من عند الصدر وغيره) وساق حديث أبي هريرة قال: "ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَثَلَ البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جُبّتان من حديد قد اضْطرَّتْ أيدِيَهما إلى ثُديِّهما وتراقِيهما..." الحديث، وقد تقدم بكماله، وفيه: قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأصبعيه هكذا في جَيْبه؛ فلو رأيتَه يوسِّعها ولا تتوسّع. فهذا يبيّن لك أن جَيْبه عليه السلام كان في صدره؛ لأنه لو كان في منكبه لم تكن يداه مضطرّة إلى ثَدْيَيه وتراقِيه. وهذا استدلال حسن.

التاسعة: قوله تعالى: { إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } البَعْل هو الزوج والسيّد في كلام العرب؛ ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: "إذا ولدت الأَمَة بَعْلَها" يعني سيدها؛ إشارة إلى كثرة السّراري بكثرة الفتوحات، فيأتي الأولاد من الإماء فتعتق كلّ أم بولدها وكأنه سيّدها الذي مَنّ عليها بالعتق، إذ كان العتق حاصلاً لها من سببه؛ قاله ابن العربيّ.

قلت: ومنه قوله عليه السلام في ماريَة: "أعتقها ولدُها" فنسب العتق إليه. وهذا من أحسن تأويلات هذا الحديث. والله أعلم.

مسألة: فالزوج والسيد يرى الزينة من المرأة وأكثر من الزينة إذ كل محلٍّ من بدنها حلال له لذةً ونظراً. ولهذا المعنى بدأ بالبعولة؛ لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا، قال الله تعالى: { { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [المؤمنون: 5 ـ 6].

العاشرة: اختلف الناس في جواز نظر الرجل إلى فرج المرأة؛ على قولين: أحدهما: يجوز؛ لأنه إذا جاز له التلذذ به فالنظر أولى. وقيل: لا يجوز؛ لقول عائشة رضي الله عنها في ذكر حالها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت ذلك منه ولا رأى ذلك مني. والأول أصح، وهذا محمول على الأدب؛ قاله ابن العربي. وقد قال أصْبغ من علمائنا: يجوز له أن يلحسه بلسانه. وقال ابن خَوْيْزِمَنْداد: أما الزوج والسيد فيجوز له أن ينظر إلى سائر الجسد وظاهرِ الفرج دون باطنه. وكذلك المرأة يجوز أن تنظر إلى عورة زوجها، والأَمَة إلى عورة سيدها.

قلت: وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "النظر إلى الفرج يورث الطمس" أي العمى، أي في الناظر. وقيل: إن الولد بينهما يولد أعمى. والله أعلم.

الحادية عشرة: لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنّى بذوي المحارم وسوّى بينهم في إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر. فلا مِرْية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحْوَط من كشف ولد زوجها. وتختلف مراتب ما يُبْدَى لهم؛ فيبدَى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج. وقد ذكر القاضي إسماعيل عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا لا يريان أمهات المؤمنين. وقال ابن عباس: إن رؤيتهما لهن تحِل. قال إسماعيل: أحسِب أن الحسن والحسين ذهبا في ذلك إلى أن أبناء البُعُولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهي قوله تعالى: { { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِيۤ آبَآئِهِنَّ } [الأحزاب: 55]. وقال في سورة النُّور: { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } الآية. فذهب ابن عباس إلى هذه الآية، وذهب الحسن والحسين إلى الآية الأخرى.

الثانية عشرة: قوله تعالى: { أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ } يريد ذكور أولاد الأزواج، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن سَفَلوا، من ذُكران كانوا أو إناث؛ كبني البنين وبني البنات. وكذلك آباء البعولة والأجداد وإن عَلَوْا من جهة الذكران لآباء الآباء وآباء الأمهات، وكذلك أبناؤهن وإن سَفَلوا. وكذلك أبناء البنات وإن سفلن؛ فيستوي فيه أولاد البنين وأولاد البنات. وكذلك أخواتهن، وهم مَن ولده الآباء والأمهات أو أحد الصّنفين. وكذلك بنو الإخوة وبنو الأخوات وإن سَفَلُوا من ذُكران كانوا أو إناث كبني بني الأخوات وبني بنات الأخوات. وهذا كله في معنى ما حرم من المناكح، فإن ذلك على المعاني في الولادات وهؤلاء محارم، وقد تقدم في «النساء». والجمهور على أن العَمّ والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم. وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب على ما تقدم. وعند الشعبِيّ وعكرمة ليس العم والخال من المحارم. وقال عكرمة: لم يذكرهما في الآية لأنهما تبعان لأبنائهما.

الثالثة عشرة: قوله تعالى: { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } يعني المسلمات، ويدخل في هذا الإماء المؤمنات، ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم؛ فلا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئاً من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أَمَة لها؛ فذلك قوله تعالى: { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ }. وكان ابن جريج وعُبَاد بن نُسَيّ وهشام القارىء يكرهون أن تقبّل النصرانيةُ المسلمة أو ترى عورتها؛ ويتأوّلون «أو نسائهن». وقال عُبَادة بن نُسَيّ: وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجرّاح: أنه بلغني أن نساء أهل الذمّة يدخلن الحمّامات مع نساء المسلمين؛ فامنع من ذلك، وحُلْ دونه؛ فإنه لا يجوز أن ترى الذمّية عِرْية المسلمة. قال: فعند ذلك قام أبو عبيدة وابتهل وقال: أيُّما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيّض وجهها فسوّد الله وجهها يوم تبيضّ الوجوه. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية؛ لئلا تصفها لزوجها. وفي هذه المسألة خلاف للفقهاء. فإن كانت الكافرة أمَةً لمسلمة جاز أن تنظر إلى سيدتها؛ وأما غيرها فلا، لانقطاع الولاية بين أهل الإسلام وأهل الكفر، ولما ذكرناه. والله أعلم.

الرابعة عشرة: قوله تعالى: { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء المسلمات والكتابيّات. وهو قول جماعة من أهل العلم، وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. وقال ابن عباس: لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته. وقال أشهب: سئل مالك أتُلْقِي المرأة خمارها بين يدي الخِصِيّ؟ فقال نعم: إذا كان مملوكاً لها أو لغيرها؛ وأما الحرّ فلا. وإن كان فحلاً كبيراً وَغْداً تملكه، لا هيئة له ولا مَنْظَر فلينظر إلى شعرها. قال أشهب قال مالك: ليس بواسع أن تدخل جارية الولد أو الزوجة على الرجل المرحاضَ؛ قال الله تعالى: «أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». وقال أشهب عن مالك: ينظر الغلام الوَغْد إلى شعر سيّدته، ولا أحبه لغلام الزوج. وقال سعيد بن المسيب: لا تغرّنكم هذه الآية { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } إنما عُنِىَ بها الإماء ولم يُعْن بها العبيد. وكان الشعبيّ يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته. وهو قول مجاهد وعطاء. وروى أبو داود "عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعَبْد قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة ثوبٌ إذا غطّت به رأسها لم يبلغ إلى رجليها، وإذا غطّت به رجليها لم يبلغ إلى رأسها؛ فلما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تَلْقَى من ذلك قال: إنه لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك" .

الخامسة عشرة: قوله تعالى: { أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ } أي غير أولي الحاجة. والإرْبَةُ الحاجة، يقال: أرِبْت كذا آرِب أرَباً. والإرْب والإربة والمَأْرُبة والأَرَب: الحاجة؛ والجمع مآرب؛ أي حوائج. ومنه قوله تعالى: { { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [طه: 18] وقد تقدم. وقال طَرَفة:

إذا المرء قال الجهل والحوب والخناتقدّم يوماً ثم ضاعت مآربه

واختلف الناس في معنى قوله: { (51) وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ } فقيل: هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء. وقيل الأبله. وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم؛ وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن. وقيل العِنِّين. وقيل الخِصِيّ. وقيل المخنَّث. وقيل الشيخ الكبير، والصبيّ الذي لم يُدْرك. وهذا الاختلاف كلّه متقارب المعنى، ويجتمع فيمن لا فَهْم له ولا هِمّة ينتبه بها إلى أمر النساء. وبهذه الصفة كان هِيْت المخنَّث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع منه ما سمع من وصف محاسن المرأة: بادِيَةَ ابنة غَيْلان، أمر بالاحتجاب منه. أخرج حديثه مسلم وأبو داود ومالك في الموطّأ وغيرهم عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة. قال أبو عمر: ذكر عبد الملك بن حبيب عن حبيب كاتب مالك قال: قلت لمالك: إن سفيان زاد في حديث ابنة غَيْلان: «أن مخنَّثاً يقال له هِيْت» وليس في كتابك هيت؟ فقال مالك: صدق، هو كذلك وغرّبه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الحِمَى وهو موضع من ذي الحُلَيَفة ذات الشمال من مسجدها. قال حبيب وقلت لمالك: وقال سفيان في الحديث: إذا قعدت تَبَنّت، وإذا تكلّمت تَغَنّت. قال مالك: صدق، هو كذلك. قال أبو عمر: ما ذكره حبيب كاتب مالك عن سفيان أنه قال في الحديث يعني حديث هشام بن عروة «أن مخنثاً يدعى هِيْتاً» فغير معروف عند أحد من رواته عن هشام، لا ابن عيينة ولا غيره، ولم يقل في نَسَق الحديث «إن مخنثاً يدعى هيتاً»، وإنما ذكره عن ابن جُريج بعد تمام الحديث، وكذلك قوله عن سفيان أنه يقول في الحديث: إذا قعدت تبنّت وإذا تكلّمت تغنّت، هذا ما لم يقله سفيان ولا غيره في حديث هشام بن عروة، وهذا اللفظ لا يوجد إلا من رواية الواقدي، والعجب أنه يحكيه عن سفيان ويحكي عن مالك أنه كذلك، فصارت رواية عن مالك، ولم يروه عن مالك غير حبيب ولا ذكره عن سفيان غيره أيضاً، والله أعلم. وحبيب كاتب مالك متروك الحديث ضعيف عند جميعهم، لا يُكتب حديثه ولا يلتفت إلى ما يجيء به. ذكر الواقِدِيّ والكَلْبي أن هِيْتاً المخنَّث قال لعبد الله بن أُمَيّة المخزوميّ وهو أخو أمّ سَلَمة لأبيها وأمّه عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له وهو في بيت أخته أمِّ سلمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع: إن فتح الله عليكم الطائفَ فعليك ببادِيَةَ بنت غَيْلان بن سَلَمة الثَّقَفِيّ، فإنها تُقْبل بأربع وتُدْبر بثمان، مع ثَغْر كالأقْحُوان، إن جلست تَبَنّت وإن تكلّمت تغنّت، بين رجليها كالإناء المكفوء، وهي كما قال قَيْس بن الخَطِيم:

تغْتَرِق الطّرفَ وهي لاهِيَةٌكأنما شَفّ وَجْهَها نُزُفُ
بين شُكُول النساء خِلْقَتُهاقَصْدٌ فلا جَبْلَةٌ ولا قَضَف
تنام عن كُبْر شأنها فإذاقامتْ رُوَيْداً تكاد تَنْقَصِف

فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لقد غلغلت النظر إليها يا عدوّ الله" . ثم أجلاه عن المدينة إلى الحِمَى. قال: فلما افْتُتحت الطائف تزوّجها عبد الرحمن بن عَوف فولدت له منه بُرَيْهة؛ في قول الكلبي. ولم يزل هِيت بذلك المكان حتى قُبض النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما وَلِيَ أبو بكر كُلِّم فيه فأبى أن يرّده، فلما وَلِيَ عمر كُلِّم فيه فأبى، ثم كُلّم فيه عثمان بعدُ. وقيل: إنه قد كَبِر وضَعُف واحتاج، فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ويرجع إلى مكانه. قال: وكان هِيت مولًى لعبد الله بن (أبي) أمية المخزومي، وكان له طُوَيْس أيضاً، فمن ثَمّ قَبِل الخَنَث. قال أبو عمر: يقال: «بادية» بالياء و«بادنة» بالنون، والصواب فيه عندهم بالياء، وهو قول أكثرهم، وكذلك ذكره الزبيري بالياء.

السادسة عشرة: وصف التابعين بـ«ـغير» لأن التابعين غير مقصودين بأعيانهم، فصار اللفظ كالنكرة. و«غير» لا يتمحّض نكرة فجاز أن يجري وصفاً على المعرفة. وإن شئت قلت هو بدل. والقول فيها كالقول في «غير المغضوب عليهم». وقرأ عاصم وابن عامر «غيرَ» بالنصب فيكون استثناء؛ أي يبدين زينتهن للتابعين إلا ذا الإرْبة منهم. ويجوز أن يكون حالاً؛ أي والذين يتبعونهن عاجزين عنهن؛ قاله أبو حاتم. وذو الحال ما في «التابعين» من الذكر.

السابعة عشرة: قوله تعالى: { أَوِ ٱلطِّفْلِ } اسم جنس بمعنى الجمع، والدليل على ذلك نعتُه بـ«ـالذين». وفي مصحف حَفْصة «أو الأطفال» على الجمع. ويقال: طفلٌ ما لم يراهق الحُلُم. و{ يَظْهَرُواْ } معناه يطلعوا بالوطء؛ أي لم يكشفوا عن عوراتهنّ للجماع لصغرهنّ. وقيل: لم يبلغوا أن يطيقوا النساء؛ يقال: ظهرت على كذا أي علمته، وظهرت على كذا أي قهرته. والجمهور على سكون الواو من «عورات» لاستثقال الحركة على الواو. وروي عن ابن عباس فتح الواو؛ مثل جَفْنة وجفنات. وحكى الفراء أنها لغة قيس «عورات» (بفتح) الواو. النحاس: وهذا هو القياس؛ لأنه ليس بنعت، كما تقول: جفنة وجفنات؛ إلا أن التسكين أجود في «عورات» وأشباهه، لأن الواو إذا تحرّكت وتحرك ما قبلها قُلبت ألفاً؛ فلو قيل هذا لذهب المعنى.

الثامنة عشرة: اختلف العلماء في وجوب ستر ما سوى الوجه والكفين منه على قولين: أحدهما: لا يلزم؛ لأنه لا تكليف عليه، وهو الصحيح. والآخر: يلزمه؛ لأنه قد يشتهى وقد تشتهى أيضاً هي؛ فإن راهق فحكمه حكم البالغ في وجوب السّتر. ومثله الشيخ الذي سقطت شهوته؛ اختلف فيه أيضاً على قولين كما في الصبي، والصحيح بقاء الحرمة؛ قاله ابن العربي.

التاسعة عشرة: أجمع المسلمون على أن السَّوْءتين عورة من الرجل والمرأة، وأن المرأة كلّها عورة، إلا وجهها ويديها فإنهم اختلفوا فيهما. وقال أكثر العلماء في الرجل: من سرته إلى ركبته عورة؛ لا يجوز أن تُرَى. وقد مضى في «الأعراف» القول في هذا مستوفًى.

المُوفِية عشرين: قال أصحاب الرأي: عورة المرأة مع عبدها من السّرة إلى الركبة. ابن العربي: وكأنهم ظنوّها رجلاً أو ظنوه امرأة، والله تعالى قد حرّم المرأة على الإطلاق لنظر أو لذة، ثم استثنى اللذة للأزواج ومِلْك اليمين، ثم استثنى الزينة لاثني عشر شخصاً العبد منهم، فما لنا ولذلك! هذا نظر فاسد واجتهاد عن السداد متباعد. وقد تأوّل بعض الناس قوله: «أو ما ملكت أيمانهنّ» على الإماء دون العبيد؛ منهم سعيد بن المسيِّب، فكيف يحملون على العبيد ثم يلحقون بالنساء، هذا بعيد جدّا قال ابن العربي وقد قيل: إن التقدير أو ما ملكت أيمانهنّ من غير أولِي الإرْبة أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال؛ حكاه المهدوِيّ.

الحادية والعشرون: قوله تعالى: { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } الآية؛ أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت لتُسْمِع صوت خَلْخَالها؛ فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشدّ، والغرض التستر. أسند الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال: زعم حضرمِيّ أن امرأة اتخذت بُرَتَين من فضة واتخذت جَزْعاً فجعلت في ساقها فمرّت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخَلْخال على الجَزْع فصوّت؛ فنزلت هذه الآية، وسماع هذه الزينة أشدّ تحريكاً للشهوة من إبدائها؛ قاله الزجاج.

الثانية والعشرون: من فعل ذلك منهنّ فَرَحاً بحليهنّ فهو مكروه. ومن فعل ذلك منهنّ تبرُّجاً وتعرُّضاً للرجال فهو حرام مذموم. وكذلك من ضرب بنعله من الرجال، إن فعل ذلك تعجُّباً حَرُم، فإن العُجْب كبيرة. وإن فعل ذلك تَبَرُّجاً لم يجز.

الثالثة والعشرون: قال مَكِّيّرحمه الله تعالى: ليس في كتاب الله تعالى آيةٌ أكثرَ ضمائر من هذه، جمعت خمسة وعشرين ضميراً للمؤمنات من مخفوض ومرفوع.

قوله تعالى: { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } فيه مسألتان:

الأولى: قوله تعالى: { وَتُوبُوۤاْ } أمْرٌ. ولا خلاف بين الأمّة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعيّن؛ وقد مضى الكلام فيها في «النساء» وغيرها فلا معنى لإعادة ذلك. والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى، فلا تتركوا التوبة في كل حال.

الثانية: قرأ الجمهور «أَيُّهَ» بفتح الهاء. وقرأ ابن عامر بضمها؛ ووجهه أن تُجعل الهاء من نفس الكلمة، فيكون إعراب المنادى فيها. وضعّف أبو عليّ ذلك جدّاً وقال: آخر الاسم هو الياء الثانية من أي، فالمضموم ينبغي أن يكون آخر الاسم، ولو جاز ضم الهاء هاهنا لاقترانها بالكلمة لجاز ضم الميم في «اللَّهُمَّ» لاقترانها بالكلمة في كلام طويل. والصحيح أنه إذا ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قراءة فليس إلا اعتقاد الصحة في اللغة، فإن القرآن هو الحجة. وأنشد الفراء:

يأيُّهَ القلبُ اللّجُوجُ النّفسأفق عن البيض الحسان اللعس

اللَّعَس: لون الشَّفَة إذا كانت تضرِب إلى السواد قليلاً، وذلك يستملح؛ يقال: شَفَة لعساء، وفِتية ونِسوة لُعْس. وبعضهم يقف «أَيُّهْ». وبعضهم يقف «أيّها» بالألف؛ لأن علة حذفها في الوصل إنما هو سكونها وسكون اللام، فإذا كان الوقف ذهبت العلة فرجعت الألف كما ترجع الياء إذا وقفت على «مُحلِّي» من قوله تعالى: { { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } [المائدة: 1]. وهذا الاختلاف الذي ذكرناه كذلك هو في و{ يأيّه الساحر }. { يأيه الثقلان }.