خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ
١٧
قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً
١٨
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً
١٩
-الفرقان

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } قرأ ابن محيصِن وحميد وابن كثير وحفص ويعقوب وأبو عمرو في رواية الدورِيّ: { يَحْشُرُهُمْ } بالياء. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لقوله في أول الكلام: «كَانَ عَلَى رَبِّكَ» وفي آخره { أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَأُلاءِ }. الباقون بالنون على التعظيم. { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الملائكة والإنس والجن والمسيح وعُزير؛ قاله مجاهد وابن جريج. الضحاك وعكرمة: الأصنام. { فَيَقُولُ } قراءة العامة بالياء وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وقرأ ابن عامر وأبو حيوة بالنون على التعظيم. { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } وهذا استفهام توبيخ للكفار. { قَالُواْ سُبْحَانَكَ } أي قال المعبودون من دون الله سبحانك؛ أي تنزيهاً لك { مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ }. فإن قيل: فإن كانت الأصنام التي تعبد تحشر فكيف تنطق وهي جماد؟ قيل له: ينطقها الله تعالى يوم القيامة كما ينطق الأيدي والأرجل. وقرأ الحسن وأبو جعفر: { أَنْ نُتَّخَذُ } بضم النون وفتح الخاء على الفعل المجهول. وقد تكلم في هذه القراءة النحويون؛ فقال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر: لا يجوز { نُتَّخَذَ }. وقال أبو عمرو: لو كانت { نُتَّخَذَ } لحذفت { مِن } الثانية فقلت: أن نُتَّخذ من دونك أولياء. كذلك قال أبو عبيدة، لا يجوز { نُتَّخَذَ } لأن الله تعالى ذكر { مِن } مرتين، ولو كان كما قرأ لقال: أن نُتخذ من دونك أولياءَ. وقيل: إن { مِن } الثانية صلة قال النحاس: ومثل أبي عمرو على جلالته ومحله يستحسن ما قال؛ لأنه جاء ببينة. وشرح ما قال أنه يقال: ما اتخذت رجلاً ولِياً؛ فيجوز أن يقع هذا للواحد بعينه؛ ثم يقال: ما اتخذت من رجل ولياً فيكون نفياً عاماً، وقولك { وليا } تابع لما قبله فلا يجوز أن تدخل فيه { مِن } لأنه لا فائدة في ذلك. { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ } أي في الدنيا بالصحة والغنى وطول العمر بعد موت الرسل صلوات الله عليهم. { حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } أي تركوا ذكرك فأشركوا بك بطراً وجهلاً فعبدونا من غير أن أمرناهم بذلك. وفي الذكر قولان: أحدهما: القرآن المنزل على الرسل؛ تركوا العمل به؛ قاله ابن زيد. الثاني؛ الشكر على الإحسان إليهم والإنعام عليهم. إنهم { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } أي هلكى؛ قاله ابن عباس. مأخوذ من البوار وهو الهلاك. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وقد أشرف على أهل حِمص: يا أهل حمص! هلم إلى أخ لكم ناصح، فلما اجتمعوا حوله قال: ما لكم لا تستحون! تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتأمُلون ما لا تدركون، إن من كان قبلكم بنوا مشيداً وجمعوا عبيداً، وأملوا بعيداً، فأصبح جمعهم بوراً، وآمالهم غروراً، ومساكنهم قبوراً. فقوله: { بُوراً } أي هلكى. وفي خبر آخر: فأصبحت منازلهم بوراً؛ أي خالية لا شيء فيها. وقال الحسن: { بُوراً } لا خير فيهم. مأخوذ من بوار الأرض، وهو تعطيلها من الزرع فلا يكون فيها خير. وقال شهر بن حَوْشبَ: البوار الفساد والكساد؛ مأخوذ من قولهم: بارت السلعة إذا كسدت كساد الفاسد؛ ومنه الحديث: "نعوذ بالله من بوار الأَيِّم" . وهو اسم مصدر كالزّور يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث. قال ابن الزِّبَعْرىَ:

يا رسولَ المليكِ إنّ لسانيراتِقٌ ما فَتَقتُ إذ أنا بُورُ
إذ أُباري الشيطانَ في سَنَن الغـنيِّ ومَنْ مَالَ ميلَه مثْبُورُ

وقال بعضهم: الواحد بائر والجمع بُور. كما يقال: عائذ وعُوذ، وهائد وهُود. وقيل: «بُوراً» عمياً عن الحق.

قوله تعالى: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } أي يقول الله تعالى عند تبرّي المعبودين: { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } أي في قولكم إنهم آلهة. { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ } يعني الآلهة صرف العذاب عنكم ولا نصركم. وقيل: فما يستطيع هؤلاء الكفار لما كذبهم المعبودون { صَرْفاً } للعذاب { وَلاَ نَصْراً } من الله. وقال ابن زيد: المعنى فقد كذبكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد؛ وعلى هذا فمعنى { بِمَا تَقُولُونَ } بما تقولون من الحق وقال أبو عبيد: المعنى؛ فيما تقولون فما يستطيعون لكم صرفاً عن الحق الذي هداكم الله إليه، ولا نصراً لأنفسهم مما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم. وقراءة العامة { بِمَا تَقُولُونَ } بالتاء على الخطاب. وقد بيّنا معناه. وحكى الفراء أنه يقرأ: { فَقَدْ كَذَبُوكُمْ } مخففاً، { بِمَا يَقُولُونَ }. وكذا قرأ مجاهد والبَزّي بالياء، ويكون معنى { يَقُولُونَ } بقولهم. وقرأ أبو حَيْوَة: { بِمَا يَقُولُونَ } بياء { فَما تَسْتَطِيعُونَ } بتاء على الخطاب لمتخِذِي الشركاء. ومن قرأ بالياء فالمعنى: فما يستطيع الشركاء. { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ } قال ابن عباس: من يشرك منكم ثم مات عليه. { نُذِقْهُ } أي في الآخرة. { عَذَاباً كَبِيراً } أي شديداً؛ كقوله تعالى: { { وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } [الإسراء: 4] أي شديداً.