خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٣
قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ
٢٤
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ
٢٥
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٦
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
٢٧
قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ
٢٨
قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ
٢٩
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ
٣٠
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٣١
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
٣٢
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ
٣٣
قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
٣٤
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
٣٥
قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ
٣٦
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ
٣٧
فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٣٨
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ
٣٩
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ
٤٠
فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ
٤١
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٤٢
قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ
٤٣
فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ
٤٤
فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ
٤٥
فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ
٤٦
قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٤٧
رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ
٤٨
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
٤٩
قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ
٥٠
إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٥١
-الشعراء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } لما غلب موسى فرعون بالحجة ولم يجد اللعين من تقريره على التربية وغير ذلك حجة رجع إلى معارضة موسى في قوله: رسول رب العالمين؛ فاستفهمه استفهاماً عن مجهول من الأشياء. قال مكيّ وغيره: كما يستفهم عن الأجناس فلذلك استفهم بـ{ ـما }. قال مكي: وقد ورد له استفهام بـ{ ـمن } في موضع آخر ويشبه أنها مواطن؛ فأتى موسى بالصفات الدالّة على الله من مخلوقاته التي لا يشاركه فيها مخلوق، وقد سأل فرعون عن الجنس ولا جنس لله تعالى؛ لأن الأجناس محدثة، فعلم موسى جهله فأضرب عن سؤاله وأعلمه بعظيم قدرة الله التي تبيِّن للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها. فقال فرعون: { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } على معنى الإغراء والتعجب من سفه المقالة إذ كانت عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك. فزاد موسى في البيان بقوله: { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } فجاء بدليل يفهمونه عنه؛ لأنهم يعلمون أنه قد كان لهم آباء وأنهم قد فنوا وأنه لا بد لهم من مغيِّر، وأنهم قد كانوا بعد أن لم يكونوا، وأنهم لا بد لهم من مكوِّن. فقال فرعون حينئذٍ على جهة الاستخفاف: { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } أي ليس يجيبني عما أسأل؛ فأجابه موسى عليه السلام عن هذا بأن قال: { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } أن ليس ملكه كملكك؛ لأنك إنما تملك بلداً واحداً لا يجوز أمرك في غيره، ويموت من لا تحب أن يموت، والذي أرسلني يملك المشرق والمغرب؛ { وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }. وقيل: علم موسى عليه السلام أن قصده في السؤال معرفة من سأل عنه، فأجاب بما هو الطريق إلى معرفة الرب اليوم. ثم لما انقطع فرعون لعنه الله في باب الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب فتوعد موسى بالسجن، ولم يقل ما دليلك على أن هذا الإله أرسلك؛ لأن فيه الاعتراف بأن ثَمَّ إلهاً غيره. وفي توعده بالسجن ضعف. وكان فيما يروى أنه يفزع منه فزعاً شديداً حتى كان اللعين لا يمسك بوله. وروي أن سجنه كان أشد من القتل. وكان إذا سجن أحداً لم يخرجه من سجنه حتى يموت، فكان مَخُوفاً. ثم لما كان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يرعه توعُد فرعون { فقَالَ } له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه: { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } فيتضح لك به صدقي، فلما سمع فرعون ذلك طمع في أن يجد أثناءه موضع معارضة { قَالَ } له { فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }. ولم يحتج الشرط إلى جواب عند سيبويه؛ لأن ما تقدّم يكفي منه. { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ } من يده فكان ما أخبر الله من قصته. وقد تقدّم بيان ذلك وشرحه في «الأعراف» إلى آخر القصة. وقال السحرة لما توعدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل { لاَ ضَيْرَ } أي لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا؛ أي إنما عذابك ساعة فنصبر لها وقد لقينا الله مؤمنين. وهذا يدلّ على شدّة استبصارهم وقوّة إيمانهم. قال مالك: دعا موسى عليه السلام فرعون أربعين سنة إلى الإسلام، وأن السحرة آمنوا به في يوم واحد. يقال: لا ضَيْر ولا ضَوْر ولا ضَرَّ ولا ضَرَرَ ولا ضارُورة بمعنى واحد؛ قاله الهَرَويّ. وأنشد أبو عبيدة:

فإنكَ لا يَضُوركَ بعدَ حَوْلٍأظبيٌ كان أُمُّكَ أَم حِمَارُ

وقال الجوهري: ضَارَه يَضُوره ويضيره ضَيْراً وضَوْراً أي ضَرَّه. قال الكسائي: سمعت بعضهم يقول لا ينفعني ذلك ولا يَضُورني. والتّضور الصياح والتلوّي عند الضرب أو الجوع. والضُّورَة بالضم الرجل الحقير الصغير الشأن. { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } يريد ننقلب إلى رب كريم رحيم { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }. { أَنْ } في موضع نصب أي لأن كنا. وأجاز الفراء كسرها على أن تكون مجازاة. ومعنى: { أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي عند ظهور الآية ممن كان في جانب فرعون. الفراء: أول مؤمني زماننا. وأنكره الزجاج وقال: قد روي أنه آمن معه ستمائة ألف وسبعون ألفاً، وهم الشِّرذمة القليلون الذين قال فيهم فرعون: { إِنَّ هَؤلاَءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } روي ذلك عن ابن مسعود وغيره.