خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ
٦٩
إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ
٧٠
قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ
٧١
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ
٧٢
أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ
٧٣
قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ
٧٤
قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ
٧٥
أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ
٧٦
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ
٧٧
-الشعراء

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } نبّه المشركين على فرط جهلهم إذ رغبوا عن اعتقاد إبراهيم ودينه وهو أبوهم. والنبأ الخبر؛ أي اقصص عليهم يا محمد خبره وحديثه وعيبه على قومه ما يعبدون. وإنما قال ذلك ملزماً لهم الحجة. والجمهور من القراء على تخفيف الهمزة الثانية وهو أحسن الوجوه؛ لأنهم قد أجمعوا على تخفيف الثانية من كلمة واحدة نحو آدم. وإن شئت حقّقتهما فقلت: { نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ }. وإن شئت خفّفتهما فقلت: { نبا إبراهيم }. وإن شئت خففت الأولى. وثَمَّ وجهٌ خامس إلا أنه بعيد في العربية وهو أن يدغم الهمزة في الهمزة كما يقال رأَّاس للذي يبيع الرؤوس. وإنما بعد لأنك تجمع بين همزتين كأنهما في كلمة واحدة، وحسُن في فَعَّال لأنه لا يأتي إلا مدغماً. { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } أي أيّ شيء تعبدون { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً } وكانت أصنامهم من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب. { فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } أي فنقيم على عبادتها. وليس المراد وقتاً معيناً بل هو إخبار عما هم فيه. وقيل: كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل، وكانوا في الليل يعبدون الكواكب. فيقال: ظل يفعل كذا إذا فعله نهاراً وبات يفعل كذا إذا فعله ليلاً. { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ } قال الأخفش: فيه حذف؛ والمعنى: هل يسمعون منكم؟ أو هل يسمعون دعاءكم؛ قال الشاعر:

القائد الخَيلَ مَنْكُوباً دَوابِرُهَاقد أُحْكِمَتْ حَكَماتِ القِدِّ والأَبَقَا

قال: والأَبَق الكَتَّان فحذف. والمعنى؛ وأحكمت حكماتِ الأَبَق. وفي الصحاح: والأَبَق بالتحريك القِنَّب. وروي عن قتادة أنه قرأ { هَلْ يُسْمِعُونَكُمْ } بضم الياء؛ أي هل يسمعونكم أصواتهم { إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } أي هل تنفعكم هذه الأصنام وترزقكم، أو تملك لكم خيراً أو ضرّاً إن عصيتم؟ٰ وهذا استفهام لتقرير الحجة؛ فإذا لم ينفعوكم ولم يضروا فما معنى عبادتكم لها. { قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } فنزعوا إلى التقليد من غير حجة ولا دليل. وقد مضى القول فيه. { قَالَ } إبراهيم { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } من هذه الأصنام { أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } الأوّلون { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } واحد يؤدّي عن جماعة، وكذلك يقال للمرأة هي عدوّ الله وعدوّة الله؛ حكاهما الفراء. قال علي بن سليمان: من قال عدوّة الله وأثبت الهاء قال هي بمعنى معادية، ومن قال عدوّ للمؤنث والجمع جعله بمعنى النسب. ووصف الجماد بالعداوة بمعنى أنهم عدوّ لي إن عبدتهم يوم القيامة؛ كما قال: { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 82]. وقال الفراء: هو من المقلوب؛ مجازه فإني عدوّ لهم لأن من عاديته عاداك. ثم قال: { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } قال الكلبيّ: أي إلا من عبد ربّ العالمين؛ إلا عابد رب العالمين؛ فحذف المضاف. قال أبو إسحاق الزجاج: قال النحويون هو استثناء ليس من الأوّل؛ وأجاز أبو إسحاق أن يكون من الأوّل على أنهم كانوا يعبدون الله عز وجل ويعبدون معه الأصنام، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله. وتأوّله الفراء على الأصنام وحدها والمعنى عنده: فإنهم لو عبدتُهم عدوّ لي يوم القيامة؛ على ما ذكرنا. وقال الجرجاني: تقديره: أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين فإنهم عدوّ لي. وإلا بمعنى دون وسوى؛ كقوله: { { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ } [الدخان: 56] أي دون الموتة الأولى.