خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ
٥٩
أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
٦٠
أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٦١
-النمل

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } قال الفرّاء قال أهل المعاني: قيل للوط { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ } على هلاكهم. وخالف جماعة من العلماء الفرّاء في هذا وقالوا: هو مخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي قل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية. قال النحاس: وهذا أولى، لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما فيه فهو مخاطب به عليه السلام إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره. وقيل: المعنى؛ أي { قُلْ } يا محمد { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } يعني أمته عليه السلام. قال الكلبي: اصطفاهم الله بمعرفته وطاعته. وقال ابن عباس وسفيان: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن، وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين، وإصغائهم إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع. ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابراً عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن.

قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } اختار؛ أي لرسالته وهم الأنبياء عليهم السلام؛ دليله قوله تعالى: { { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [الصافات: 181]. { ءَآللَّهُ خَيْرٌ } وأجاز أبو حاتم «أَأَللَّهُ خَيْرٌ» بهمزتين. النحاس: ولا نعلم أحداً تابعه على ذلك؛ لأن هذه المدّة إنما جيء بها فرقاً بين الاستفهام والخبر، وهذه ألف التوقيف، و{ خَيْرٌ } ههنا ليس بمعنى أفضل منك، وإنما هو مثل قول الشاعر:

أتهجوه ولست له بكفءفشركما لخيركما الفِداء

فالمعنى فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء. ولا يجوز أن يكون بمعنى من لأنك إذا قلت: فلان شر من فلان ففي كل واحد منهما شر. وقيل: المعنى؛ الخير في هذا أم في هذا الذي تشركونه في العبادة! وحكى سيبويه: السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ وهو يعلم أن السعادة أحب إليه. وقيل: هو على بابه من التفضيل، والمعنى: آلله خير أم ما تشركون؛ أي أثوابه خير أم عقاب ما تشركون. وقيل: قال لهم ذلك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خير فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم. وقيل: اللفظ لفظ الاستفهام ومعناه الخبر. وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب: { يُشْرِكُونَ } بياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه (الآية) يقول: "بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم" .

قوله تعالى: { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } قال أبو حاتم: تقديره؛ آلهتكم خير أم من خلق السموات والأرض؛ وقد تقدّم. ومعناه: قدر على خلقهن. وقيل: المعنى؛ أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السموات والأرض؟ فهو مردود على ما قبله من المعنى؛ وفيه معنى التوبيخ لهم، والتنبيه على قدرة الله عز وجل وعجز آلهتهم. { فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } الحديقة البستان الذي عليه حائط. والبهجة المنظر الحسن. قال الفراء: الحديقة البستان المحظر عليه حائط، وإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة. وقال قتادة وعكرمة: الحدائق النخل ذات بهجة، والبهجة الزينة والحسن؛ يبهج به من رآه. { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } { ما } للنفي ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا؛ أي ما كان للبشر، ولا يتهيأ لهم، ولا يقع تحت قدرتهم، أن ينبتوا شجرها؛ إذ هم عجزة عن مثلها، لأن ذلك إخراج الشيء من العدم إلى الوجود.

قلت: وقد يستدلّ من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن؛ وهو قول مجاهد. ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذَرَّة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة" رواه مسلم في «صحيحه» من حديث أبي هريرة؛ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل» فذكره؛ فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع وهذا واضح. وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز هو والاكتساب به. وقد قال ابن عباس للذي سأله أن يصنع الصور: إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له خرجه مسلم أيضاً. والمنع أولى والله أعلم لما ذكرنا. وسيأتي لهذا مزيد بيان في «سبأ» إن شاء الله تعالى ثم قال على جهة التوبيخ: { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } أي هل معبود مع الله يعينه على ذلك. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } بالله غيره وقيل: { يَعْدِلُونَ } عن الحق والقصد؛ أي يكفرون. وقيل: { إِلَهٌ } مرفوع بـ{ ـمع } تقديره: أمع الله ويلكم إله. والوقف على { مَعَ اللَّهِ } حسن.

قوله تعالى: { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً } أي مستقراً. { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً } أي وسطها مثل: { { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } [الكهف: 33]. { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } يعني جبالاً ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة. { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً } مانعاً من قدرته لئلا يختلط الأجاج بالعذب. وقال ابن عباس: سلطاناً من قدرته فلا هذا يغيّر ذاك ولا ذاك يغيّر هذا والحجز المنع. { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } أي إذا ثبت أنه لا يقدر على هذا غيره فلم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } يعني كأنهم يجهلون الله فلا يعلمون ما يجب له من الوحدانية.