خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ
٨١
وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٢
-القصص

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } قال مقاتل: لما أمر موسى الأرض فابتلعته قالت بنو إسرائيل: إنما أهلكه ليرث ماله؛ لأنه كان ابن عمه؛ أخي أبيه، فخسف الله تعالى به وبداره الأرض وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام، فأوحى الله إلى موسى إني لا أعيد طاعة الأرض إلى أحد بعدك أبداً. يقال: خَسَف المكانُ يخسِف خُسوفاً ذهب في الأرض وخَسَف الله به الأرض خَسْفاً أي غاب به فيها. ومنه قوله تعالى: { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } وخَسَف هو في الأرض وخُسِف به. وخسوف القمر كسوفه. قال ثعلب: كَسَفتِ الشمسُ وخَسفَ القمرُ؛ هذا أجود الكلام. والخسف النقصان؛ يقال: رضي فلان بالخسف أي بالنقيصة. { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ } أي جماعة وعصابة. { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } لنفسه أي الممتنعين فيما نزل به من الخسف. فيروى أن قارون يَسفُل كل يوم بقدر قامة، حتى إذا بلغ قعر الأرض السفلى نفخ إسرافيل في الصور؛ وقد تقدّم؛ والله أعلم.

قوله تعالى: { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ } أي صاروا يتندّمون على ذلك التمني و{ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ } (وي) حرف تندّم. قال النحاس: أحسن ما قيل في هذا قول الخليل وسيبويه ويونس والكسائي إن القوم تَنبّهوا أو نُبِّهوا؛ فقالوا وَيْ، والمتندم من العرب يقول في خلال تندّمه وَيْ. قال الجوهري: وَيْ. كلمة تعجب، ويقال: وَيْكَ ووَيْ لعبد الله. وقد تدخل وَيْ على كأن المخففة والمشدّدة تقول: ويكأن الله. قال الخليل: هي مفصولة؛ تقول: { وَيْ } ثم تبتدىء فتقول: { كَأَنَّ }. قال الثعلبي: وقال الفرّاء هي كلمة تقرير؛ كقولك: أما ترى إلى صنع الله وإحسانه؛ وذكر أن أعرابية قالت لزوجها: أين ابنكَ وَيْلك؟ فقال: وَيْ كأنّه وراء البيت؛ أي أما ترينه. وقال ابن عباس والحسن: ويك كلمة ابتداء وتحقيق تقديره: إن الله يبسط الرزق. وقيل: هو تنبيه بمنزلة ألا في قولك ألا تفعل وأمَّا في قولك أما بعد. قال الشاعر:

سالتَانِي الطلاقَ إذ رَأَتَانِيقَلَّ مالِي قد جِئْتُمانِي بِنُكْرِ
وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ له نَشَبٌ يُحْبَــبْ وَمَنْ يَفتقرْ يَعشْ عيشَ ضُرِّ

وقال قُطْرُب: إنما هو ويلك وأسقطت لامه وضمت الكاف التي هي للخطاب إلى وَيْ. قال عَنترة:

ولقد شَفَى نفسي وأَبرأَ سُقْمَهاقَوْلُ الفوارسِ وَيْكَ عَنْتَرُ أَقْدِمِ

وأنكره النحاس وغيره، وقالوا: إن المعنى لا يصح عليه؛ لأن القوم لم يخاطبوا أحداً فيقولوا له ويلك، ولو كان كذلك لكان إنه بالكسر. وأيضاً فإن حذف اللام من ويلك لا يجوز. وقال بعضهم: التقدير ويلك اعلم أنه؛ فأضمر اعلم. ابن الأعرابي: { وَيْكَأَنَّ اللَّهَ } أي اعلم. وقيل: معناه ألم تر أن الله. وقال القتبي: معناه رحمة لك بلغة حِميْر. وقال الكسائي: وَيْ فيه معنى التعجب. ويروى عنه أيضاً الوقف على وَيْ وقال كلمة تفجّع. ومن قال: ويك فوقف على الكاف فمعناه أعجب لأن الله يبسط الرزق وأعجب لأنه لا يفلح الكافرون. وينبغي أن تكون الكاف حرف خطاب لا اسماً؛ لأنّ وَيْ ليست مما يضاف. وإنما كتبت متصلة؛ لأنها لما كثر استعمالها جعلت ما بعدها كشيء واحد. { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } بالإيمان والرحمة وعصمنا من مثل ما كان عليه قارون من البغي والبطر { لَخَسَفَ بِنَا }. وقرأ الأعمش { لَوْلاَ مَنُّ اللَّهِ عَلَيْنَا }. وقرأ حفص: «لخَسَفَ بِنَا» مسمّى الفاعل. الباقون: على ما لم يسم فاعله وهو اختيار أبي عبيد. وفي حرف عبد الله { لاَنْخُسِفَ بِنَا } كما تقول انطلِق بنا. وكذلك قرأ الأعمش وطلحة بن مُصرِّف. واختار قراءة الجماعة أبو حاتم لوجهين: أحدهما قوله: { فَخَسَفْنَا بِهِ وبَدَارِهِ الأَرْضَ }. والثاني قوله: { لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا } فهو بأن يضاف إلى الله تعالى لقرب اسمه منه أولى. { وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } عند الله.