خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٤
مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٥
وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ
٦
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٧
-العنكبوت

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي الشرك { أَن يَسْبِقُونَا } أي يفوتونا ويعجزونا قبل أن نؤاخذهم بما يفعلون. قال ابن عباس: يريد الوليد بن المغيرة وأبا جهل والأسود والعاص بن هشام وشيبة وعتبة والوليد بن عتبة وعقبة بن أبي معيط وحنظلة بن أبي سفيان والعاص بن وائل. { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي بئس الحكم ما حكموا في صفات ربهم أنه مسبوق والله القادر على كل شيء. و{ ما } في موضع نصب بمعنى ساء شيئاً أو حكماً يحكمون. ويجوز أن تكون { ما } في موضع رفع بمعنى ساء الشيء أو الحكم حكمهم. وهذا قول الزجاج. وقدرها ابن كيسان تقديرين آخرين خلاف ذينك: أحدهما؛ أن يكون موضع { مَا يَحْكُمُونَ } بمنزلة شيء واحد، كما تقول: أعجبني ما صنعت؛ أي صنيعك فـ{ ـما } والفعل مصدر في موضع رفع، التقدير؛ ساء حكمهم. والتقدير الآخر أن تكون { ما } لا موضع لها من الإعراب، وقد قامت مقام الاسم لساء، وكذلك نعم وبئس. قال أبو الحسن بن كيسان: وأنا أختار أن أجعل لـ{ ـما } موضعاً في كل ما أقدر عليه؛ نحو قوله عز وجل: { { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [آل عمران: 159] وكذا { { فَبِمَا نَقْضِهِم } [المائدة: 13] وكذا { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ } [القصص: 28] { ما } في موضع خفض في هذا كله وما بعده تابع لها، وكذا؛ { { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } [البقرة: 26] { ما } في موضع نصب و{ بَعُوضَةً } تابع لها.

قوله تعالى: { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ } { يَرْجُو } بمعنى يخاف من قول الهُذَليّ في وصف عَسَّال:

إذَا لَسَـعَتْـهُ النَّحـلُ لـم يَـرْجُ لسـعَهـا

وأجمع أهل التفسير على أن المعنى: من كان يخاف الموت فليعمل عملاً صالحاً فإنه لا بدّ أن يأتيه؛ ذكره النحاس. قال الزجاج: معنى { يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ } ثواب الله و{ من } في موضع رفع بالابتداء و{ كَانَ } في موضع الخبر، وهي في موضع جزم بالشرط، و{ يَرْجُو } في موضع خبر كان، والمجازاة { فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }.

قوله تعالى: { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } أي ومن جاهد في الدِّين، وصبر على قتال الكفار وأعمال الطاعات، فإنما يسعى لنفسه؛ أي ثواب ذلك كله له؛ ولا يرجع إلى الله نفع من ذلك. { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } أي عن أعمالهم. وقيل: المعنى؛ من جاهد عدوّه لنفسه لا يريد وجه الله فليس لله حاجة بجهاده.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي صدّقوا { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أي لنغطينها عنهم بالمغفرة لهم. { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعات. ثم قيل: يحتمل أن تكفر عنهم كل معصية عملوها في الشرك، ويثابوا على ما عملوا من حسنة في الإسلام. ويحتمل أن تكفر عنهم سيئاتهم في الكفر والإسلام، ويثابوا على حسناتهم في الكفر والإسلام.