خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ
٨٣
قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
٨٤
-آل عمران

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } قال الكَلْبي: إن كعب بن الأشرف وأصحابه ٱختصموا مع النصارى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: أيُّنا أحق بدِين إبراهيم؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "كِلاَ الفريقين بريءٌ من دِينه" . فقالوا: ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بِدينك؛ فنزل { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } يعني يطلبون. ونصبت «غير» بيبغون، أي يبغون غير دين الله. وقرأ أبو عمرو وحده «يبغون» بالياء على الخبر «وإليه ترجعون» بالتاء على المخاطبة. قال: لأن الأوّل خاصُّ والثاني عامُّ ففرق بينهما لافتراقهما في المعنى. وقرأ حفص وغيره «يبغون، ويرجعون» بالياء فيهما؛ لقوله: { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }. وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب؛ لقوله { لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } [آل عمران: 81]. والله أعلم.

قوله تعالى: { وَلَهُ أَسْلَمَ } أي ٱستسلم وٱنقاد وخضع وذلّ، وكل مخلوق فهو منقاد مستسلم؛ لأنه مجبول على ما لا يقدر أن يخرج عنه. قال قتادة: أسلم المؤمن طوعاً والكافر عند موته كرهاً ولا ينفعه ذلك؛ لقوله: { { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85]. قال مجاهد: إسلام الكافر كرهاً بسجودِهِ لِغير الله وسجود ظِلّه لله، { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } [النحل: 48]. { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } } [الرعد: 15]. وقيل: المعنى أن الله خلق الخلق على ما أراد منهم؛ فمنهم الحَسَن والقبيح والطويل والقصير والصحيح والمريض وكلهم منقادون ٱضطراراً، فالصحيح منقاد طائع محبّ لذلك، والمريض منقاد خاضع وإن كان كارهاً. والطوع الانقياد والاتباع بسهولة. والكره ما كان بمشقة وإباء من النفس. و { طَوْعاً وَكَرْهاً } مصدران في موضع الحال، أي طائعين ومكرهين. وروى أنس بن مالك قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } قال: "الملائكة أطاعوه في السماء والأنصارُ وعبدُ القَيْس في الأرض" . وقال عليه السلام: "لا تَسُبُّوا أصحابي فإن أصحابي أسلموا من خوف الله وأسلم الناس من خوف السيف" . وقال عِكْرمة: «طوعا» مَن أسلم من غير مُحاجّة «وكرهاً» مَن ٱضطرته الحجة إلى التوحيد. يدلّ عليه قوله عز وجل: { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [الزخرف: 87] { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [العنكبوت: 61]. قال الحسن: هو عموم معناه الخصوص. وعنه: { أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } وتمّ الكلام. ثم قال: { وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً }. قال: والكاره المنافق لا ينفعه عمله. و «طوعاً وكرهاً» مصدران في موضع الحال. عن مجاهد عن ٱبن عباس قال: إذا ٱستصعبتْ دابّةُ أحدكم أو كانت شَمُوساً فليقرأ فى أذنها هذه الآية: { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } إلى آخر الآية.