خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
١٨
-لقمان

الجامع لاحكام القرآن

فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن مُحَيْصِن: «تصاعر» بالألف بعد الصاد. وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد: «تُصَعّر» وقرأ الجحدرِي: «تُصْعر» بسكون الصاد؛ والمعنى متقارب. والصَّعَر: الميل؛ ومنه قول الأعرابي: وقد أقام الدهر صعرى، بعد أن أقمت صعره. ومنه قول عمرو بن حُنَيّ التّغلبي:

وكنا إذا الجبّار صَعّر خدّهأقمنا له من مَيْله فَتقوَّمِ

وأنشده الطبري: «فتقوّمَا». قال ابن عطية: وهو خطأ؛ لأن قافية الشعر مخفوضة. وفي بيت آخر:

أقـمـنـا لـه مـن خـدّه المـتـصـعـر

قال الهروي: «ولا تصاعر» أي لا تعرِض عنهم تكبّراً عليهم؛ يقال: أصاب البعيرَ صَعَرٌ وصَيَد إذ أصابه داء يَلْوِي منه عنقه. ثم يقال للمتكبّر: فيه صَعَر وصَيَد؛ فمعنى: «لاَ تُصَعِّر» أي لا تلزم خدّك الصَّعَر. وفي الحديث: "يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أَصْعَرُ أو أبتر" والأصعر: المعرض بوجهه كبرا؛ وأراد رُذالة الناس الذين لا دين لهم. وفي الحديث: "كلّ صعّار ملعونٌ" أي كل ذي أبَّهة وكبر.

الثانية: معنى الآية: ولا تُمِل خدّك للناس كبراً عليهم وإعجاباً واحتقاراً لهم. وهذا تأويل ابن عباس وجماعة. وقيل: هو أن تلوِي شِدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره؛ فالمعنى: أقبل عليهم متواضعاً مؤنساً مستأنساً، وإذا حدّثك أصغرهم فاصغ إليه حتى يكمل حديثه. وكذلك كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعل.

قلت: ومن هذا المعنى ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" . فالتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ونحوه. وإنما قيل للإعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك؛ وكذلك يصنع هو بك. ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسرّه ويسرّك؛ فمعنى التدابر موجود فيمن صَعّر خده، وبه فسر مجاهد الآية. وقال ابن خُوَيْزِمَنْدَاد: قوله: { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } كأنه نهى أن يذِلّ الإنسان نفسه من غير حاجة؛ ونحو ذلك روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس للإنسان أن يذلّ نفسه" .

الثالثة: قوله تعالى: { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } أي متبختراً متكبراً، مصدر في موضع الحال، وقد مضى في «سبحان». وهو النشاط والمشي فرحاً في غير شغل وفي غير حاجة. وأهل هذا الخُلُق ملازمون للفخر والخُيَلاء؛ فالمرِح مختال في مشيته. روى يحيـى بن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي عن غُضيف بن الحارث قال: أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير قال: فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسمعته يقول: إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول: يا ابن آدم ما غَرّك بي! ألم تعلم أني بيت الوحدة! ألم تعلم أني بيت الظلمة! ألم تعلم أني بيت الحق! يا ابن آدم ما غَرّك بي! لقد كنت تمشي حولي فَدّادا. قال ابن عائذ قلت لغُضيف: ما الفدّاد يا أبا أسماء؟ قال: كبعض مِشيتك يا ابن أخي أحياناً. قال أبو عبيد: والمعنى ذا مال كثير وذا خُيلاء. وقال صلى الله عليه وسلم: "من جرّ ثوبه خُيَلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة" . والفخور: هو الذي يعدد ما أعطِي ولا يشكر الله تعالى؛ قاله مجاهد. وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك.