قوله تعالى: { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } فيه قولان: أحدهما: أنه من النسيان الذي لا ذكر معه؛ أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين. والآخر: أن «نَسِيتُمْ» بما تركتم، وكذا { إِنَّا نَسِينَاكُمْ }. واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى:
{ { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [طه: 115] قال: والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال: { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } [الأعراف: 20] فلو كان آدم ناسياً لكان قد ذكّره. وأنشد:كأنه خارجاً من جَنْب صَفْحَتهسَفُّودُ شَرْبٍ نَسُوهُ عند مُفْتَأدِ
أي تركوه. ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة. قال الضحاك: «نَسِيتُمْ» أي تركتم أمري. يحيـى بن سلام: أي تركتم الإيمان بالبعث في هذا اليوم. { نَسِينَاكُمْ } تركناكم من الخير؛ قاله السُّديّ. مجاهد: تركناكم في العذاب. وفي استئناف قوله: «إِنَّا نَسِينَاكُمْ» وبناء الفعل على «إنّ» واسمها تشديد في الانتقام منهم. والمعنى: فذوقوا هذا؛ أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخِزي والغمّ بسبب نسيان الله. أو ذوقوا العذاب المخلّد، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم. { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني في الدنيا من المعاصي. وقد يعبّر بالذّوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوماً، لإحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم. قال عمر بن أبي ربيعة:فذُقْ هجرها إن كنت تزعم أنهافسادٌ ألاَ يا رُبَّما كذب الزعم
الجوهريّ: وذُقْت ما عند فلان؛ أي خبرته. وذقت القَوْس إذا جذبت وترها لتنظر ما شدّتها. وأذاقه الله وبال أمره. قال طُفيل:فذوقوا كما ذُقنا غَدَاة مُحَجِّرٍمن الغيظ في أكبادِنا والتَّحَوُّبِ
وتذوقته أي ذقته شيئاً بعد شيء. وأمر مستذاق أي مجرّب معلوم. قال الشاعر:وعهدُ الغانيات كعهد قَيْنوَنَتْ عنه الجعائل مُسْتذاقِ
والذوّاق: الملول.