قوله تعالى: { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } يعني الذين عاونوا الأحزاب: قريشاً وغَطَفان؛ وهم بنو قُريظة. وقد مضى خبرهم. { مِن صَيَاصِيهِمْ } أي حصونهم؛ واحدها صِيصَة. قال الشاعر:
فأصبحت الثِّيران صَرْعَى وأصبحتْنساء تميم يبتدِرْن الصياصِيا
ومنه قيل لشوكة الحائك التي بها يُسوّى السَّداة واللُّحْمة: صِيصة. قال دريدُ بن الصِّمَّة:فجئتُ إليه والرماحُ تَنُوشُهكوقع الصَّياصِي في النسيج الممدّد
ومنه: صيصَة الديك التي في رجله. وصَياصِي البقر قرونها؛ لأنها تمتنع بها. وربما كانت تركّب في الرماح مكان الأسنة؛ ويقال: جَذّ اللَّهُ صِئْصِئه؛ أي أصله. { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } وهم الرجال. { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } وهم النساء والذّرّية؛ على ما تقدّم. { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } بعدُ. قال يزيد بن رُومان وابن زيد ومقاتل: يعني حُنَين؛ ولم يكونوا نالوها، فوعدهم الله إياها. وقال قتادة: كنا نتحدّث أنها مكة. وقال الحسن: هي فارس والرّوم. وقال عِكرمة: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة. { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } فيه وجهان: أحدهما: على ما أراد بعباده من نقمة أو عفوٍ قديرٌ؛ قاله محمد بن إسحاق. الثاني: على ما أراد أن يفتحه من الحصون والقُرَى قدير؛ قاله النقاش. وقيل: { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } مما وَعَدَكُمُوه { قَدِيراً } لا تردّ قدرته ولا يجوز عليه العجز تعالى. ويقال: تأسِرون وتأسُرون (بكسر السين وضمها) حكاه الفراء.