خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ
٧٥
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ
٧٦
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ
٧٧
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ
٧٨
سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ
٧٩
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٨٠
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨١
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ
٨٢
-الصافات

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } من النداء الذي هو الاستغاثة؛ ودعا قيل بمسألة هلاك قومه. فقال: { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26]. { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } قال الكسائي: أي «فَلَنِعْمَ الْمُجِيبونَ» له كنا. { وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } يعني أهل دينه، وهم من آمن معه، وكانوا ثمانين على ما تقدّم. { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } وهو الغرق. { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } قال ٱبن عباس: لما خرج نوح من السفينة مات مَن معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه؛ فذلك قوله: { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ }. وقال سعيد بن المسيّب: كان ولد نوح ثلاثة والناس كلّهم من ولد نوح: فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى. وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب: السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم. ويافث أبو الصقالبة والترك (واللان) والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك. وقال قوم: كان لغير ولد نوح أيضا نسل؛ بدليل قوله: { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [الإسراء: 3]. وقوله: { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [هود: 48] فعلى هذا معنى الآية: { وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَاقِينَ } دون ذرية من كفر فإنا أغْرَقنا أولئك.

قوله تعالى: { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } أي تركنا عليه ثناءً حسناً في كل أمة، فإنه مُحبَّب إلى الجميع؛ حتى إن في المجوس من يقول إنه أفريدون. روي معناه عن مجاهد وغيره. وزعم الكسائي أن فيه تقديرين: أحدهما «وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ» يقال: «سَلامٌ عَلَى نُوحٍ» أي تركنا عليه هذا الثناء الحسن. وهذا مذهب أبي العباس المبرّد. أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية؛ يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له؛ وهو من الكلام المحكي؛ كقوله تعالى: { { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } [النور: 1]. والقول الآخر أن يكون المعنى وأبقينا عليه؛ وتم الكلام ثم ٱبتدأ فقال: «سَلامٌ عَلَى نُوحٍ» أي سلامة له من أن يذكر بسوء «في الآخِرِينَ». قال الكسائي: وفي قراءة ٱبن مسعود «سلاماً» منصوب بـ«تركنا» أي تركنا عليه ثناء حسناً سلاماً، وقيل: «في الآخِرِينَ» أي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: في الأنبياء إذ لم يبعث بعده نبيّ إلا أمر بالاقتداء به؛ قال الله تعالى: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } [الشورى: 13]. وقال سعيد بن المسيّب: وبلغني أنه من قال حين يمسي { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ } لم تلدغه عقرب. ذكره أبو عمر في التمهيد. وفي الموطأ عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نزل منزلاً فليقل أعوذ بكلمات اللّه التامَّاتِ من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل" . وفيه عن أبي هريرة "أن رجلاً من أسلم قال: ما نمت هذه الليلة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي شيء فقال: لدغتني عقرب؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات اللّه التامات من شر ما خلق لم تضرّك" .

قوله تعالى: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي نبقي عليهم الثناء الحسن. والكاف في موضع نصب؛ أي جزاء كذلك. { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } هذا بيان إحسانه. قوله تعالى: { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } أي من كفر. وجمعه أُخر. والأصل فيه أن يكون معه «مِن» إلا أنها حذفت؛ لأن المعنى معروف، ولا يكون آخراً إلا وقبله شيء من جنسه. «ثمّ» ليس للتراخي ها هنا بل هو لتعديد النعم؛ كقوله: { أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البلد: 16-17] أي ثم أخبركم أني قد أغرقت الآخرين، وهم الذين تأخروا عن الإيمان.