خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ
١
بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
٢
كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ
٣

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { صۤ } قراءة العامة «صۤ» بجزم الدال على الوقف؛ لأنه حرف من حروف الهجاء مثل: «الۤمۤ» و «الۤمۤر». وقرأ أبيّ بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم «صادِ» بكسر الدال بغير تنوين. ولقراءته مذهبان: أحدهما أنه من صادى يصادي إذا عارض، ومنه { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } [عبس: 5] أي تعرّض. والمصاداة المعارضة، ومنه الصَّدَى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية. فالمعنى صادِ القرآنَ بعملك؛ أي عارضه بعملك وقابله به، فاعمل بأوامره، وٱنته عن نواهيه. النحاس: وهذا المذهب يروى عن الحسن أنه فسر به قراءته رواية صحيحة. وعنه أن المعنى ٱتله وتعرّض لقراءته. والمذهب الآخر أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين. وقرأ عيسى بن عمر «صاد» بفتح الدال مثله: «قافَ» و «نونَ» بفتح آخرها. وله في ذلك ثلاثة مذاهب: أحدهنّ أن يكون بمعنى ٱتلُ. والثاني أن يكون فتح لالتقاء الساكنين وٱختار الفتح للإتباع؛ ولأنه أخفّ الحركات. والثالث أن يكون منصوباً على القسم بغير حرف؛ كقولك: اللَّه لأفعلنّ، وقيل: نصب على الإغراء. وقيل: معناه صادَ محمدٌ قلوب الخلق وٱستمالها حتى آمنوا به. وقرأ ٱبن أبي إسحاق أيضاً «صادٍ» بكسر الدال والتنوين على أن يكون مخفوضاً على حذف حرف القسم، وهذا بعيد وإن كان سيبويه قد أجاز مثله. ويجوز أن يكون مشبهاً بما لا يتمكن من الأصوات وغيرها. وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السَّمَيْقَع: «صادُ» و «قافُ» و «نونُ» بضم آخرهن؛ لأنه المعروف بالبناء في غالب الحال، نحو منذُ وقطُ وقبلُ وبعدُ. و «صۤ» إذا جعلته ٱسماً للسورة لم ينصرف؛ كما أنك إذا سميت مؤنثاً بمذكر لا ينصرف وإن قلّت حروفه. وقال ٱبن عباس وجابر بن عبد اللّه وقد سئلا عن «صۤ» فقالا: لا ندري ما هي. وقال عكرمة: سأل نافع بن الأزرق ٱبن عباس عن «صۤ» فقال: «صۤ» كان بحراً بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار. وقال سعيد بن جبير: «صۤ» بحر يُحيي اللّه به الموتى بين النفختين. وقال الضحاك: معناه صدق اللّه. وعنه أن «صۤ» قسم أقسم اللّه به وهو من أسمائه تعالى. وقال السدي، وروي عن ٱبن عباس. وقال محمد بن كعب: هو مفتاح أسماء اللّه تعالى صمدُ وصانعُ المصنوعات وصادقُ الوعد. وقال قتادة: هو ٱسم من أسماء الرحمن. وعنه أنه ٱسم من أسماء القرآن. وقال مجاهد: هو فاتحة السورة. وقيل: هو مما ٱستأثر اللّه تعالى بعلمه، وهو معنى القول الأوّل. وقد تقدّم جميع هذا في «البقرة».

قوله تعالى: { وَٱلْقُرْآنِ } خفض بواو القسم والواو بدل من الباء؛ أقسم بالقرآن تنبيهاً على جلالة قدره؛ فإن فيه بيان كل شيء، وشفاء لما في الصدور، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. { ذِي ٱلذِّكْرِ } خفض على النعت وعلامة خفضه الياء، وهو ٱسم معتل والأصل فيه ذَوَى على فَعَل. قال ٱبن عباس ومقاتل معنى «ذِي الذِّكْرِ» ذي البيان. الضحاك: ذي الشرف أي من آمن به كان شرفاً له في الدارين؛ كما قال تعالى: { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } أي شرفكم. وأيضاً القرآن شريف في نفسه لإعجازه وٱشتماله على ما لا يشتمل عليه غيره. وقيل: «ذِي الذِّكْرِ» أي فيه ذكر ما يحتاج إليه من أمر الدين. وقيل: «ذِي الذِّكْرِ» أي فيه ذكر أسماء اللّه وتمجيده. وقيل: أي ذي الموعظة والذكر. وجواب القسم محذوف. وٱختلف فيه على أوجه: فقيل جواب القسم «صۤ»؛ لأن معناه حقّ فهي جواب لقوله: { وَٱلْقُرْآنِ } كما تقول: حقًّا واللّهِ، نزل واللّهِ، وجب واللّهِ،؛ فيكون الوقف من هذا الوجه على قوله: { وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } حسَنّا، وعلى «في عِزَّةِ وَشِقَاقٍ» تماما. قاله ٱبن الأنباري. وحكى معناه الثعلبي عن الفراء. وقيل: الجواب «بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ» لأن «بل» نفي لأمر سبق وإثبات لغيره؛ قاله القتبيّ؛ فكأنه قال: { وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } عن قبول الحق وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم. أو «وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» ما الأمر كما يقولون من أنك ساحر كذاب؛ لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة بل هم في تكبر عن قبول الحق. وهو كقوله: { { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوۤاْ } [قۤ: 1]. وقيل: الجواب «كَمْ أَهْلَكْنَا» كأنه قال: والقرآنِ لَكَمْ أهلكنا؛ فلما تأخرت «كَمْ» حذفت اللام منها؛ كقوله تعالى: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس: 1] ثم قال: «قَدْ أَفْلَحَ» أي لقد أفلح. قال المهدوي: وهذا مذهب الفراء. ٱبن الأنباري: فمن هذا الوجه لا يتم الوقف على قوله: «فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ». وقال الأخفش: جواب القسم { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } [صۤ: 14] ونحو منه قوله تعالى: { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الشعراء: 97] وقوله: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ - إِن كُلُّ نَفْسٍ } [الطارق:1-4]. ٱبن الأنباري: وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما وكثرت الآيات والقصص. وقال الكسائي: جواب القسم قوله: { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [صۤ: 64]. ٱبن الأنباري: وهذا أقبح من الأوّل؛ لأن الكلام أشدّ طولاً فيما بين القسم وجوابه. وقيل الجواب قوله: { { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } [صۤ: 54]. وقال قتادة: الجواب محذوف تقديره «وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» لتبعثنّ ونحوه.

قوله تعالى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ } أي في تكبر وٱمتناع من قبول الحق؛ كما قال جل وعز: { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ } [البقرة: 206] والعزّة عند العرب: الغَلَبة والقَهْر. يقال: من عَزَّ بَزَّ؛ يعني من غَلَب سَلَب. ومنه: «وَعَزَّنِي في الخِطْابِ» أراد غلبني. وقال جرير:

يَعُزُّ عَلَى الطريق بِمَنْكِبيهِكما ٱبْتَرَك الخْلِيعُ على القِداحِ

أراد يغلب. { وَشِقَاقٍ } أي في إظهار خلاف ومباينة. وهو من الشَّق كأنّ هذا في شَقّ وذلك في شَقّ. وقد مضى في «البقرة» مستوفى.

قوله تعالى: { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } أي من قوم كانوا أمنع من هؤلاء. و«كَمْ» لفظة التكثير { فَنَادَواْ } أي بالاستغاثة والتوبة. والنداء رفع الصوت؛ ومنه الخبر: "ألقِه على بلالٍ فإنّه أَنْدى منك صوتاً" أي أرفع. { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } قال الحسن: نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ولا حين ينفع العمل. النحاس: وهذا تفسير منه لقوله عز وجل: { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } فأما إسرائيل فروى عن أبي إسحاق عن التميمي عن ٱبن عباس: «وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ» قال: ليس بحين نَزْوٍ ولا فِرار؛ قال: ضُبِط القوم جميعاً قال الكلبي: كانوا إذا قاتلوا فٱضطروا قال بعضهم لبعض مناص؛ أي عليكم بالفرار والهزيمة، فلما أتاهم العذاب قالوا مناص؛ فقال اللّه عز وجل: { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } قال القشيري: وعلى هذا فالتقدير: فنادوا مناص فحذف لدلالة بقية الكلام عليه؛ أي ليس الوقت وقت ما تنادون به. وفي هذا نوع تحكم؛ إذ يبعد أن يقال: كل من هلك من القرون كانوا يقولون مناص عند الاضطرار. وقيل: المعنى «وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ» أي لا خلاص وهو نصب بوقوع لا عليه. قال القشيري: وفيه نظر لأنه لا معنى على هذا للواو في «وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ» وقال الجرجاني: أي فنادوا حين لا مناص؛ أي ساعة لا منجىً ولا فوت. فلما قدم «لا» وأخّر «حين» ٱقتضى ذلك الواو، كما يقتضي الحال إذا جعل ابتداء وخبرا؛ مثل قولك جاء زيد راكباً؛ فإذا جعلته مبتدأ وخبرا ٱقتضى الواو مثل جاءني زيد وهو راكب، فحين ظرف لقوله: { فَنَادَواْ }. والمناص بمعنى التأخر والفِرار والخلاص؛ أي نادوا لطلب الخلاص في وقت لا يكون لهم فيه خلاص. قال الفرّاء:

أَمِنْ ذكر ليلى إذ نَأتكَ تَنُوصُ

يقال: ناص عن قِرْنه يَنُوص نَوْصاً ومناصاً أي فَرَّ وزاغ. النحاس: ويقال: ناص ينوص إذا تقدم.

قلت: فعلى هذا يكون من الأضداد، والنَّوْص الحمار الوحشي. وٱستناص أي تأخر؛ قاله الجوهري. وتكلم النحويون في «وَلاَتَ حِينَ» وفي الوقف عليه، وكثّر فيه أبو عبيدة القاسم بن سلاّم في كتاب القراءات وكل ما جاء به إلا يسيراً مردود. فقال سيبويه: «لات» مشبّهة بليس والاسم فيها مضمر؛ أي ليست أحياننا حين مناص. وحكي أن من العرب من يرفع بها فيقول: ولات حِينُ مناصٍ. وحكي أن الرفع قليل ويكون الخبر محذوفاً كما كان الاسم محذوفاً في النصب؛ أي ولات حينُ مناصٍ لنا. والوقف عليها عند سيبويه والفراء «ولات» بالتاء ثم تبتدىء «حِينَ مَنَاصٍ» وهو قول ٱبن كيسان والزجاج. قال أبو الحسن بن كيسان: والقول كما قال سيبويه؛ لأنه شبهها بليس فكما يقال ليست يقال لات. والوقوف عليها عند الكسائي بالهاء وَلاْه. وهو قول المبردّ محمد بن يزيد. وحكى عنه علي بن سليمان أن الحجة في ذلك أنها دخلت عليها الهاء لتأنيث الكلمة، كما يقال ثُمَّهْ ورُبَّهْ. وقال القشيري: وقد يقال ثُمَّتْ بمعنى ثُمَّ، ورُبَّتْ بمعنى رُبَّ؛ فكأنهم زادوا في لا هاء فقالوا لاه، كما قالوا في ثُمَّ ثُمَّهْ ثم عند الوصل صارت تاء. وقال الثعلبي: وقال أهل اللغة: و «لاَتَ حِينَ» مفتوحتان كأنهما كلمة واحدة، وإنما هي «لا» زيدت فيها التاء نحو ربّ ورُبّتْ، وثمّ وثُمّتْ. قال أبو زبيد الطائي:

طَلَبُوا صُلْحَنا ولاَتَ أَوَانِفأَجَبْنَا أَنْ ليس حينَ بقَاءِ

وقال آخر:

تذكَّر حُبَّ ليلى لاَتَ حِينَاوأمسى الشَّيْبُ قد قَطَعَ الْقَرينا

ومن العرب من يخفض بها؛ وأنشد الفراء:

فَلَتَعْرِفَنّ خَلاَئقًا مَشْمُولَةًولَتَنْدَمَنَّ ولاَتَ ساعةِ مَنْدَمِ

وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والأخفش يذهبون إلى أن «وَلاَتَ حِينَ» التاء منقطعة من حين، ويقولون معناها وليست. وكذلك هو في المصاحف الجدد والعتق بقطع التاء من حين. وإلى هذا كان يذهب أبو عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى. وقال أبو عبيد القاسم بن سلاّم: الوقف عندي على هذا الحرف «ولا» والابتداء «تحين مناصٍ» فتكون التاء مع حين. وقال بعضهم: «لات» ثم يبتدىء فيقول: «حين مناصٍ». قال المهدوي: وذكر أبو عبيد أن التاء في المصحف متصلة بحين وهو غلط عند النحويين، وهو خلاف قول المفسرين. ومن حجة أبي عبيد أن قال: إنا لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان والآن؛ وأنشد لأبي وَجْزَةَ السعدي:

العاطفُون تَحِينَ ما مِنْ عاطِفٍوالمُطْعِمون زَمانَ أَيْنَ الْمُطْعِمُ

وأنشد لأبي زبيد الطائي:

طلبوا صلحنا ولا تأوانِفأجبنا أن ليس حين بقاءِ

فأدخل التاء في أوان. قال أبو عبيد: ومن إدخالهم التاء في الآن، حديث ٱبن عمر وسأله رجل عن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، فذكر مناقبه ثم قال: ٱذهبْ بها تَلاَنَ معك. وكذلك قول الشاعر:

نَوِّلِي قَبل نأَيِ دَارِي جُماناوصِـلِينا كما زَعمْتِ تَلاناً

قال أبو عبيد: ثم مع هذا كله إني تعمدت النظر في الذي يقال له الإمام ـ مصحف عثمان ـ فوجدت التاء متصلة مع حين قد كتبت تحين. قال أبو جعفر النحاس: أما البيت الأول الذي أنشده لأبي وجزة فرواه العلماء باللغة على أربعة أوجه، كلها على خلاف ما أنشده؛ وفي أحدها تقديران؛ رواه أبو العباس محمد بن يزيد:

العاطِفونَ ولاتَ ما مِن عاطِفٍ

والرواية الثانية:

العاطِفونَ ولاَتَ حِينِ تَعاطفٍ

والرواية الثالثة رواها ابن كيسان:

العاطِفونَةَ حِينَ ما مِن عاطِفٍ

جعلها هاء في الوقف وتاء في الإدراج، وزعم أنها لبيان الحركة شبهت بهاء التأنيث.

الرواية الرابعة:

العاطِفونهُ حين ما مِن عاطِفٍ

وفي هذه الرواية تقديران؛ أحدهما وهو مذهب إسماعيل بن إسحاق أن الهاء في موضع نصب؛ كما تقول: الضاربون زيداً فإذا كنّيت قلت الضاربوه. وأجاز سيبويه في الشعر الضاربونهُ، فجاء إسماعيل بالتأنيث على مذهب سيبويه في إجازته مثله. والتقدير الآخر العاطفونهْ على أن الهاء لبيان الحركة، كما تقول: مرّ بنا المسلمونهْ في الوقف. ثم أجريت في الوصل مجراها في الوقف؛ كما قرأ أهل المدينة: { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [الحاقة: 28 ـ 29] وأما البيت الثاني فلا حجة له فيه؛ لأنه يوقف عليه (ولات أوان) غير أن فيه شيئاً مشكلاً؛ لأنه يروى (ولات أوانِ) بالخفض، وإنما يقع ما بعد لات مرفوعاً أو منصوباً. وإن كان قد روي عن عيسى بن عمر أنه قرأ «ولاتِ حِينِ مناصِ» (بكسر التاء من لات والنون من حين فإن الثبت عنه أنه قرأ «ولاتِ حينَ مناص») فبنى «لاتِ» على الكسر ونصب «حين». فأما «ولاَتَ أوانِ» ففيه تقديران؛ قال الأخفش: فيه مضمر أي ولات حين أوان.

قال النحاس: وهذا القول بيّن الخطأ. والتقدير الآخر عن أبي إسحاق قال: تقديره ولات أواننا فحذف المضاف إليه فوجب ألا يعرب، وكسره لالتقاء الساكنين. وأنشده محمد بن يزيد (ولات أوانُ) بالرفع. وأما البيث الثالث فبيت مولّد لا يعرف قائله ولا تصح به حجة. على أن محمد بن يزيد رواه (كما زعمت الآن). وقال غيره: المعنى كما زعمت أنت الآن. فأسقط الهمزة من أنت والنون. وأما ٱحتجاجه بحديث ٱبن عمر، لما ذكر للرجل مناقب عثمان فقال له: ٱذهب بها تَلاَنَ إلى أصحابك فلا حجة فيه؛ لأن المحدّث إنما يروي هذا على المعنى. والدليل على هذا أن مجاهداً يروي عن ٱبن عمر هذا الحديث وقال فيه: ٱذهب فٱجهد جهدك. ورواه آخر: ٱذهب بها الآن معك. وأما ٱحتجاجه بأنه وجدها في الإمام «تحِينَ». فلا حجة فيه؛ لأن معنى الإمام أنه إمام المصاحف فإن كان مخالفاً لها فليس بإمام لها، وفي المصاحف كلها «وَلاَتَ» فلو لم يكن في هذا إلا هذا الاحتجاج لكان مقنعاً. وجمع مناص مناوص.