خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ
٦
مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ
٧
أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ
٨
أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ
٩
أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ
١٠
جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ
١١

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ } «الملأ» الأشراف، والانطلاق الذهاب بسرعة؛ أي ٱنطلق هؤلاء الكافرون من عند الرسول عليه السلام يقول بعضهم لبعض: «أَن ٱمْشُوا» أي ٱمضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه { وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ }. وقيل هو إشارة إلى مشيهم إلى أبي طالب في مرضه كما سبق. وفي رواية محمد بن إسحاق أنهم أبو جهل بن هشام، وشيبة وعُتبة أبناء ربيعة بن عبد شمس، وأميّة بن خلف، والعاص بن وائل، وأبو مُعيط؛ جاءوا إلى أبي طالب فقالوا: أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا، فٱكفنا أمر ٱبن أخيك وسفهاء معه، فقد تركوا آلهتنا وطعنوا في ديننا؛ "فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن قومك يدعونك إلى السواء والنَّصَفَة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أدعوهم إلى كلمة واحدة فقال أبو جهل وعشرا. قال: تقولون لا إله إلا اللّه فقاموا وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلٰهاً وَاحِداً" الآيات. { أَنِ ٱمْشُواْ } في موضع نصب والمعنى بأن ٱمشوا. وقيل: «أن» بمعنى أي؛ أي «وَٱنْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ» أي ٱمشوا؛ وهذا تفسير ٱنطلاقهم لا أنهم تكلموا بهذا اللفظ. وقيل: المعنى ٱنطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام: «ٱمْشُوا وَٱصْبِرُوا عَلَى آلِهَتكُمْ» أي على عبادة آلهتكم «إِنَّ هَذَا» أي هذا الذي جاء به محمد عليه السلام { لَشَيْءٌ يُرَادُ } أي يراد بأهل الأرض من زوال نعم قوم وغير تنزل بهم. وقيل: { إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } كلمة تحذير؛ أي إنما يريد محمد بما يقول الانقياد له ليعلو علينا، ونكون له أتباعاً فيتحكم فينا بما يريد، فاحذروا أن تطيعوه. وقال مقاتل: إن عمر لما أسلم وقوي به الإسلام شقّ ذلك على قريش فقالوا: إن إسلام عمر في قوّة الإسلام لشيء يراد.

قوله تعالى: { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ } قال ابن عباس والقرظيّ وقتادة ومقاتل والكلبيّ والسديّ: يعنون ملّة عيسى النصرانية وهي آخر الملل. والنصارى يجعلون مع اللّه إلٰهاً. وقال مجاهد وقتادة أيضاً: يعنون ملة قريش. وقال الحسن: ما سمعنا أن هذا يكون في آخر الزمان. وقيل: أي ما سمعنا من أهل الكتاب أن محمداً رسول حقّ. { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } أي كذب وتخرّص؛ عن ابن عباس وغيره. يقال: خلق وٱختلق أي ٱبتدع. وخلق اللّه عز وجل الخلق من هذا؛ أي ٱبتدعهم على غير مثال.

قوله تعالى: { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } هو استفهام إنكار، والذكر هاهنا القرآن. أنكروا اختصاصه بالوحي من بينهم؛ فقال اللّه تعالى: { بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي } أي من وحي القرآن. أي قد علموا أنك لم تزل صدوقاً فيما بينهم، وإنما شكُّوا فيما أنزلته عليك هل هو من عندي أم لا. { بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } أي إنما ٱغتَرُّوا بطول الإمهال، ولو ذاقوا عذابي على الشرك لزال عنهم الشك، ولما قالوا ذلك؛ ولكن لا ينفع الإيمان حينئذ. و «لَمَّا» بمعنى لم وما زائدة كقوله: { عَمَّا قَلِيلٍ } [المؤمنون: 40] و { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ } [النساء: 155].

قوله تعالى: { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } قيل: أم لهم هذا فيمنعوا محمداً عليه السلام مما أنعم اللّه عز وجل به عليه من النبوة. و «أم» قد ترد بمعنى التقريع إذا كان الكلام متصلاً بكلام قبله؛ كقوله تعالى: { الۤـمۤ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } [السجدة: 1-3] وقد قيل إن قوله: { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } متصل بقوله: { وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ } [صۤ: 4] فالمعنى أن اللّه عز وجل يرسل من يشاء؛ لأن خزائن السموات والأرض له { أَمْ لَهُم مٌّلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيَنَهُمَا } أي فإن ٱدعوا ذلك { فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } أي فليصعدوا إلى السموات، وليمنعوا الملائكة من إنزال الوحي على محمد. يقال: رَقِيَ يَرْقَى وٱرتقى إذا صَعِد. ورَقَى يَرْقِي رَقْياً مثل رَمَى يَرْمي رَمْياً من الرُّقْية. قال الربيع بن أنس: الأسباب أرقّ من الشَّعر وأشدّ من الحديد ولكن لا ترى. والسبب في اللغة كل ما يوصل به إلى المطلوب من حبل أو غيره. وقيل: الأسباب أبواب السموات التي تنزل الملائكة منها؛ قاله مجاهد وقتادة. قال زهير:

* ولَوْ رَامَ أسبابَ السماءِ بِسُلَّم v

وقيل: الأسباب السموات نفسها؛ أي فليصعدوا سماء سماء. وقال السدي: «في الأَسْبَابِ» في الفضل والدين. وقيل: أي فليعلوا في أسباب القوّة إن ظنوا أنها مانعة. وهو معنى قول أبي عبيدة. وقيل: الأسباب الحبال؛ يعني إن وجدوا حبلاً أو سبباً يصعدون فيه إلى السماء فليرتقوا؛ وهذا أمر توبيخ وتعجيز. ثم وعد نبيّه صلى الله عليه وسلم النصر عليهم فقال: { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ } «ما» صلة وتقديره هم جند، فـ«جُنْدٌ» خبر ابتداء محذوف. { مَهْزُومٌ } أي مقموع ذليل قد ٱنقطعت حجتهم؛ لأنهم لا يصلون إلى أن يقولوا هذا لنا. ويقال: تهزّمت القربة إذا ٱنكسرت، وهزمتُ الجيش كسرته. والكلام مرتبط بما قبل؛ أي { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } وهم جند من الأحزاب مهزومون، فلا تغمك عزتهم وشقاقهم، فإني أهزم جمعهم وأسلب عزهم. وهذا تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد فُعِل بهم هذا في يوم بدر. قال قتادة: وعد اللّه أنه سيهزمهم وهم بمكة فجاء تأويلها يوم بَدْر. و «هُنَالِكَ» إشارة لبدر وهو موضع تحزُّبهم لقتال محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: المراد بالأحزاب الذين أتوا المدينة وتحزبوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقد مضى ذلك في «الأحزاب». والأحزاب الجند، كما يقال: جند من قبائل شتّى. وقيل: أراد بالأحزاب القرون الماضية من الكفّار. أي هؤلاء جند على طريقة أولئك؛ كقوله تعالى: { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ } [البقرة: 249] أي على ديني ومذهبي. وقال الفراء: المعنى هم جندٌ مغلوب؛ أي ممنوع عن أن يصعد إلى السماء. وقال القتبي: يعني أنهم جند لهذه الآلهة مهزوم، فهم لا يقدرون على أن يدّعوا الشيء من آلهتهم، ولا لأنفسهم شيئاً من خزائن رحمة اللّه، ولا من ملك السمواتِ والأرض.