خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ
٧٥
قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
٧٦
قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
٧٧
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٧٨
قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
٧٩
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ
٨٠
إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ
٨١
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٨٢
إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ
٨٣

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ } أي صرفك وصدّك { أَن تَسْجُدَ } أي عن أن تسجد { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } أضاف خلقه إلى نفسه تكريماً له، وإن كان خالق كل شيء وهذا كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد؛ فخاطب الناس بما يعرفونه في تعاملهم، فإن الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئاً بيده إلا على سبيل الإعظام والتكرم، فذِكْر اليد هنا بمعنى هذا. قال مجاهد: اليد هاهنا بمعنى التأكيد والصلة؛ مجازه لما خلقت أنا كقوله: { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } [الرحمن: 27] أي يبقى ربك. وقيل: التشبيه في اليد في خلق الله تعالى دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة؛ وإنما هما صفتان من صفات ذاته تعالى. وقيل: أراد باليد القدرة، يقال: ما لي بهذا الأمر يد. وما لي بالحِمْل الثقيلِ يَدَانِ. ويدل عليه أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة بالإجماع. وقال الشاعر:

تَحمَّلْت مِنْ (عَفْرَاءَ) ما ليس لِي بِهولا للجِبَالِ الرّاسِياتِ يَدَانِ

وقيل: «لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» لما خلقت بغير واسطة. { أَسْتَكْبَرْتَ } أي عن السجود { أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } أي المتكبرين على ربك. وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة «بِيَدَيَّ اسْتَكْبَرْتَ» موصولة الألف على الخبر وتكون أم منقطعة بمعنى بل مثل: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ» وشبهه. ومن استفهم فـ«ـأمْ» معادلة لهمزة الاستفهام وهو تقرير وتوبيخ. أي استكبرت بنفسك حين أبيت عن السجود لآدم، أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا.

قوله تعالى: { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } قال الفرّاء: من العرب من يقول أنا أخير منه وأشرُّ منه؛ وهذا هو الأصل إلا أنه حذف لكثرة الاستعمال. { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } فَضَّل النار على الطين وهذا جهل منه؛ لأن الجواهر متجانسة فقاس فأخطأ القياس. وقد مضى في «الأعراف» بيانه. { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا } يعني من الجنة { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي مرجوم بالكواكب والشهب { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ } أي طردي وإبعادي من رحمتي { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } تعريف بإصراره على الكفر لأن اللعن منقطع حينئذٍ، ثم بدخوله النار يظهر تحقيق اللعن { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أراد الملعون ألا يموت فلم يُجَب إلى ذلك، وَأُخِّر إلى الوقت المعلوم، وهو يوم يموت الخلق فيه، فَأُخّر إليه تهاوناً به. { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } لما طرده بسبب آدم حلف بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات وإدخال الشبه عليهم، فمعنى: «لأُغْوِيَنَّهُمْ» لأستدعينهم إلى المعاصي وقد علم أنه لا يصل إلا إلى الوسوسة، ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه؛ ولهذا قال: { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي الذين أخلصتَهم لعبادتك، وعصمتهم مني. وقد مضى في «الحجر» بيانه.