خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ
٣٨
يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ
٣٩
مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً مِّن ذَكَـرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
٤٠
وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ
٤١
تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ
٤٢
لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٤٣
فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٤٤
-غافر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُونِ } هذا من تمام ما قاله مؤمن آل فرعون؛ أي اقتدوا بي في الدين. { أَهْدِكُـمْ سَبِيـلَ ٱلرَّشَـادِ } أي طريق الهدى وهو الجنة. وقيل: من قول موسى. وقرأ معاذ بن جبل «الرَّشَّادِ» بتشديد الشين وهو لحن عند أكثر أهل العربية؛ لأنه إنما يقال أرشد يُرشِد ولا يكون فَعَّال من أفعل إنما يكون من الثلاثي، فإن أردت التكثير من الرباعي قلت: مِفْعال. قال النحاس: يجوز أن يكون رشَّاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه، ولكن كما يقال لاَّال من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جارياً عليه. ويجوز أن يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشَّاد؛ كما قال:

كِـلـيـنِـي لِـهَـمٍّ يَـا أمَـيْـمَـة نـاصِـبِ

الزمخشري: وقرىء «الرَّشَّادِ» فَعَّال من رَشِد بالكسر كعَلاَّم أو من رَشَد بالفتح كعبّاد. وقيل: من أرشد كجبّار من أجبر وليس بذاك؛ لأن فعّالا من أفعل لم يجىء إلا في عدّة أحرف: نحو دراك وسأَّرٍ وقصَّار وجَبَّار. ولا يصح القياس على هذا القليل. ويجوز أن يكون نسبته إلى الرشد كعوَّاج وبتّات غير منظور فيه إلى فعل. ووقع في المصحف «اتَّبِعُونِ» بغير ياء. وقرأها يعقوب وابن كثير بالإثبات في الوصل والوقف. وحذفها أبو عمرو ونافع في الوقف وأثبتوها في الوصل، إلا وَرْشاً حذفها في الحالين، وكذلك الباقون؛ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء ومن أثبتها فعلى الأصل.

قوله تعالى: { يٰقَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا مَتَاعٌ } أي يتمتع بها قليلاً ثم تنقطع وتزول. { وَإِنَّ ٱلآخِرَةَ هِيَ دَارُ ٱلْقَـرَارِ } أي الاستقرار والخلود. ومراده بالدار الآخرة الجنة والنار لأنهما لا يفنيان. بيّن ذلك بقوله: { مَنْ عَمِـلَ سَـيِّئَةً } يعني الشرك { فَلاَ يُجْزَىٰ إِلاَّ مِثْلَهَا } وهو العذاب. { وَمَنْ عَمِـلَ صَالِحاً } قال ابن عباس: يعني لا إِلٰه إِلاَّ الله. { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } مصدق بقلبه لله وللأنبياء. { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وهي قراءة ابن كثير وابن مُحَيْصن وأبي عمرو ويعقوب وأبي بكر عن عاصم، يدل عليه { يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } الباقون «يَدْخُلُونَ» بفتح الياء.

قوله تعالى: { وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ } أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان { وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ } بيّن أن ما قال فرعون من قوله: { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } سبيل الغيّ عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه؛ ولهذا قال: { تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } وهو فرعون { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ }. { لاَ جَرَمَ } تقدّم الكلام فيه. ومعناه حقاً. { أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } «مَا» بمعنى الذي { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ } قال الزجاج: ليس له استجابة دعوة تنفع؛ وقال غيره: ليس له دعوة توجب له الألوهية { فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ }. وقال الكلبي: ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة. وكان فرعون أوّلاً يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، فكانت تُعبَد ما كانت شابة، فإذا هَرِمت أمر بذبحها، ثم دعا بأخرى لتعبد، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى. { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } قال قتادة وابن سيرين: يعني المشركين. وقال مجاهد والشعبي: هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقّها. وقال عِكرمة: الجبارون والمتكبّرون. وقيل: هم الذين تعدوا حدود الله. وهذا جامع لما ذكر. و«أَنَّ» في المواضع في موضع نصب بإسقاط حرف الجر. وعلى ما حكاه سيبويه عن الخليل من أن «لاَ جَرَمَ» رد لكلام يجوز أن يكون موضع «أَنَّ» رفعاً على تقدير وجب أن ما تدعونني إليه، كأنه قال: وجب بطلان ما تدعونني إليه، والمردّ إلى الله، وكون المسرفين هم أصحاب النار.

قوله تعالى: { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ } تهديد ووعيد. و«ما» يجوز أن تكون بمعنى الذي أي الذي أقوله لكم. ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حلّ بكم العذاب. { وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } أي أتوكل عليه وأسلم أمري إليه. وقيل: هذا يدل على أنهم أرادوا قتله. وقال مقاتل: هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه. وقد قيل: القائل موسى. والأظهر أنه مؤمن آل فرعون؛ وهو قول ابن عباس.