خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ
٥٥
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
٥٦
لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٥٧
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ
٥٨
إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
٥٩
-غافر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي فاصبر يا محمد على أذى المشركين، كما صبر من قبلك «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ» بنصرك وإظهارك، كما نصرت موسى وبني إسرائيل. وقال الكلبي: نسخ هذا بآية السيف. { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } قيل: لذنب أمتك حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل: لذنب نفسك على من يجوّز الصغائر على الأنبياء. ومن قال لا تجوز قال: هذا تعبد للنبي عليه السلام بدعاء؛ كما قال تعالى: { وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا } [آل عمران: 194] والفائدة زيادة الدرجات وأن يصير الدعاء سنة لمن بعده. وقيل: فاستغفر الله من ذنب صدر منك قبل النبوة. { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } يعني صلاة الفجر وصلاة العصر؛ قاله الحسن وقتادة. وقيل: هي صلاة كانت بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتان غُدْوة وركعتان عشيّة. عن الحسن أيضاً ذكره الماوردي. فيكون هذا مما نسخ والله أعلم. وقوله: { بِحَمْدِ رَبِّكَ } بالشكر له والثناء عليه. وقيل: «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ» أي استدم التسبيح في الصلاة وخارجاً منها لتشتغل بذلك عن استعجال النصر.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ } يخاصمون { فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ } أي حجة { أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } قال الزجاج: المعنى ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي إرادتهم فيه. قدره على الحذف. وقال غيره: المعنى ما هم ببالغي الكبر على غير حذف؛ لأن هؤلاء قوم رأوا أنهم إن اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم قل ارتفاعهم، ونقصت أحوالهم، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعاً، فاعلم الله عز وجل أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أملوه بالتكذيب. والمراد المشركون. وقيل: اليهود؛ فالآية مدنية على هذا كما تقدم أول السورة. والمعنى: إن تعظَّموا عن اتباعِ محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا إن الدجال سيخرج عن قريب فيردّ الملك إلينا، وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله (فذلك كبر لا يبلغونه) فنزلت الآية فيهم. قاله أبو العالية وغيره. وقد تقدم في «آل عمران» أنه يخرج ويطأ البلاد كلها إلا مكة والمدينة. وقد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب «التذكرة». وهو يهودي واسمه صاف ويكنى أبا يوسف. وقيل: كل من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا حسن؛ لأنه يعم. وقال مجاهد: معناه في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها والمعنى واحد. وقيل: المراد بالكبر الأمر الكبير أي يطلبون النبوة أو أمراً كبيراً يصلون به إليك من القتل ونحوه، ولا يبلغون ذلك. أو يتمنون موتك قبل أن يتم دينك ولا يبلغونه.

قوله تعالى: { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } قيل: من فتنة الدجال على قول من قال إن الآية نزلت في اليهود. وعلى القول الآخر من شر الكفار. وقيل: من مثل ما ابتلوا به من الكفر والكبر. { إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } «هُوَ» يكون فاصلاً ويكون مبتدأ وما بعده خبره والجملة خبر إن على ما تقدم.

قوله تعالى: { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } مبتدأ وخبره. قال أبو العالية: أي أعظم من خلق الدجال حين عظّمته اليهود. وقال يحيـى بن سلام: هو احتجاج على منكري البعث؛ أي هما أكبر من إعادة خلق الناس فلم اعتقدوا عجزي عنها. { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك.

قوله تعالى: { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي المؤمن والكافر والضال والمهتدي. { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي ولا يستوي العامل للصالحات { وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ } الذي يعمل السيئات. { قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } قراءة العامة بياء على الخبر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأجل ما قبله من الخبر وما بعده. وقرأ الكوفيون بالتاء على الخطاب. قوله تعالى: { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ } هذه لام التأكيد دخلت في خبر إن وسبيلها أن تكون في أوّل الكلام؛ لأنها توكيد الجملة إلا أنها تُزحلَق عن موضعها؛ كذا قال سيبويه. تقول: إن عمراً لخارج؛ وإنما أخرت عن موضعها لئلا يجمع بينها وبين إنّ؛ لأنهما يؤدّيان عن معنى واحد، وكذا لا يجمع بين إنّ وأنّ عند البصريين. وأجاز هشام إنّ أنّ زيداً منطلق حقّ؛ فإن حذفت حقّاً لم يجز عند أحد من النحويين علمته؛ قاله النحاس. { لاَّ رَيْبَ فِيهَا } لا شك ولا مرية. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي لا يصدّقون بها وعندها يبين فرق ما بين الطائع والعاصي.