خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
٨٢
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٨٣
فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ
٨٤
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ
٨٥
-غافر

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } حتى يشاهدوا آثار الأمم السالفة { كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ } عدداً { وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الأبنية والأموال وما أدالوا به من الأولاد والأتباع؛ يقال: دلوت بفلان إليك أي استشفعت به إليك. وعلى هذا «ما» للجحد أي فلم يغن عنهم ذلك شيئاً. وقيل: «ما» للاستفهام أي أيّ شيء أغنى عنهم كسبهم حين هلكوا. ولم ينصرف «أَكْثَرَ»؛ لأنه على وزن أفعل. وزعم الكوفيون أن كل ما لا ينصرف فإنه يجوز أن ينصرف إلا أفعل من كذا فإنه لا يجوز صرفه بوجه في شعر ولا غيره إذا كانت معه من. قال أبو العباس: ولو كانت مِن المانعة من صرفه لوجب ألا يقال: مررت بخير منك وشر (منك و) من عمرو.

قوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي بالآيات الواضحات. { فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } في معناه ثلاثة أقوال. قال مجاهد: إن الكفار الذين فرحوا بما عندهم من العلم قالوا: نحن أعلم منهم لن نعذّب ولن نبعث. وقيل: فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا نحو { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الروم: 7]. وقيل: الذين فرحوا الرسل لمّا كذبهم قومهم أعلمهم الله عز وجل أنه مهلك الكافرين ومنجيهم والمؤمنين فـ«ـفَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ» بنجاة المؤمنين { وَحَاقَ بِهِم } أي بالكفار { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أي عقاب استهزائهم بما جاء به الرسل صلوات الله عليهم.

قوله تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } أي عاينوا العذاب. { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } أي بالأوثان التي أشركناهم في العبادة { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } بالله عند معاينة العذاب وحين رأوا البأس. { سُنَّةَ ٱللَّهِ } مصدر؛ لأن العرب تقول: سَنّ يسن سنّاً وسُنّة؛ أي سنّ الله عز وجل في الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب وقد مضى هذا مبيناً في «النساء» و«يونس» وأن التوبة لا تقبل بعد رؤية العذاب وحصول العلم الضروري. وقيل: أي احذروا يا أهل مكة سنّة الله في إهلاك الكفرة فـ«ـسنّة اللَّهِ» منصوب على التحذير والإغراء. { وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ } قال الزجاج: وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك إلا أنه بيّن لنا الخسران لما رأوا العذاب. وقيل: فيه تقديم وتأخير؛ أي «لَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا» «وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ» كسنتنا في جميع الكافرين فـ«ـسنة» نصب بنزع الخافض أي كسنّة الله في الأمم كلها. والله أعلم.

تم تفسير سورة «غافر» والحمد لله.