خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ
٦
ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ
٧
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
٨
-فصلت

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } أي لست بمَلَك بل أنا من بني آدم. قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع. { يُوحَىٰ إِلَيَّ } أي من السماء على أيدي الملائكة { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } { فـ } ـآمنوا به و{ فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ } أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه، كما يقول الرجل: استقم إلى منزلك؛ أي لا تعرج على شيء غير القصد إلى منزلك. { وَٱسْتَغْفِرُوهُ } أي من شرككم. { وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } قال ابن عباس: لا يشهدون «أن لا إلٰه إلا الله» وهي زكاة الأنفس. وقال قتادة: لا يقرون بالزكاة أنها واجبة. وقال الضحاك ومقاتل: لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. قرَّعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفره مع منع وجوب الزكاة عليه. وقال الفراء وغيره: كان المشركون ينفقون النفقات، ويسقون الحجيج ويطعمونهم، فحرّموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهم هذه الآية. { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } فلهذا لا ينفقون في الطاعة ولا يستقيمون ولا يستغفرون. الزمخشري: فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة؟ قلت: لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته(واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته) ألا ترى إلى قوله عز وجل: { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } [البقرة: 265] أي يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم؛ وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا. وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة، وتخويف شديد من منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرِن بالكفر بالآخرة.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } قال ابن عباس: غير مقطوع؛ مأخوذ من مننت الحبل إذا قطعته؛ ومنه قول ذي الإصبع:

إِنِّي لَعَمْرُك ما بابي بِذِي غَلَقٍعلى الصَّدِيقِ ولا خَيْرِي بِممنونِ

وقال آخر:

فَتَرَى خَلْفَها مِنَ الرَّجْعِ والْوَقْــعِ مَنِينا كأَنَّهُ أَهْبَاء

يعني بالمَنِين الغبَار المنقطع الضعيف. وعن ابن عباس أيضاً ومقاتل: غير منقوص. ومنه المَنُون؛ لأنها تنقص منَّة الإنسانِ أي قوّته؛ وقاله قطرب؛ وأنشد قول زهير:

فَضْل الجِيادِ على الخيلِ البِطاءِ فَلاَيُعْطِي بِذلِك مَمْنُوناً ولا نَزِقَا

قال الجوهري: والمنّ القطع، ويقال النقص؛ ومنه قوله تعالى: { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }. وقال لبِيد:

غـبْـسٌ كَـوَاسِـبُ لاَ يُـمَـنُّ طَـعَـامُـهـا

وقال مجاهد: «غَيْرُ مَمْنُونٍ» غير محسوب. وقيل: «غَيْرُ مَمْنُونٍ» عليهم به. قال السدي: نزلت في الزَّمْنى والمَرْضَى والْهَرْمَى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه.