خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
عۤسۤقۤ
٢
كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ
٤
-الشورى

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى:{ حـمۤ * عۤسۤقۤ } قال عبد المؤمن: سألت الحسين بن الفضل: لم قطع «حۤم» من «عۤـسۤـقۤ» ولم تقطع «كهيعص» و «المۤـرۤ» و «المۤـصۤ»؟ فقال: لأن «حۤـمۤ. عسق» بين سُوَرٍ أوّلها «حۤم» فجرت مجرى نظائرها قبلها وبعدها؛ فكأن «حۤم» مبتدأ و «عۤـسۤـقۤ» خبره. ولأنها عدّت آيتين، وعدّت أخواتها اللواتي كتبت جملة آية واحدة. وقيل: إن الحروف المعجمة كلها في المعنى واحد، من حيث إنها أس البيان وقاعدة الكلام؛ ذكره الجُرْجَانِي. وكتبت «حۤم. عَـسۤـقۤ» منفصلاً و «كهيعص» متصلاً لأنه قيل: حۤم؛ أي حمّ ما هو كائن، ففصلوا بين ما يقدّر فيه فعل وبين ما لا يقدّر. ثم لو فُصل هذا ووُصِل ذا لجاز؛ حكاه القُشيري. وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس «حۤم. سق» قال ابن عباس: وكان عليّ رضي الله عنه يعرف الفتن بها. وقال أرطاة بن المنذر، قال رجل لابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان: أخبرني عن تفسير قوله تعالى: «حۤم. عَـسۤـقۤ»؟ فأعرض عنه حتى أعاد عليه ثلاثاً فأعرض عنه. فقال حذيفة بن اليمان: أنا أنبئك بها، قد عرفت لِم تركها؛ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإلٰه أو عبد الله؛ ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقاً، فإذا أراد الله زوال ملكهم وانقطاع دولتهم، بعث على إحداهما ناراً ليلاً فتصبح سوداءَ مظلمة، فتحترق كلها كأنها لم تكن مكانها؛ فتصبح صاحبتها متعجبة، كيف قُلبت! فما هو إلا بياض يومها حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد، ثم يخسف الله بها وبهم جميعاً؛ فذلك قوله: «حۤم. عۤـسۤـقۤ» أي عزمة من عزمات الله، وفتنة وقضاء حُمّ: حۤم. «ع»: عدلاً منه، «س»: سيكون، «ق»: واقع في هاتين المدينتين.

ونظير هذا التفسير ما روى جرير بن عبد الله البَجَليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُبنى مدينة بين دجْلة ودُجيل وقُطْرَبُلّ والصَّراة، يجتمع فيها جبابرة الأرض تجبى إليها الخزائن يخسف بها ـ وفي رواية بأهلها ـ فَلهِيَ أسرع ذهاباً في الأرض من الوَتِد الجيّد في الأرض الرَّخوة" . وقرأ ابن عباس «حۤم. سۤـقۤ» بغير عين. وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود؛ حكاه الطبري. وروى نافع عن ابن عباس: «الحاء» حلمه، و «الميم» مجده، و «العين» علمه، و «السين» سَنَاه، و «القاف» قدرته؛ أقسم الله بها. وعن محمد بن كعب: أقسم الله بحلمه ومجده وعلوّه وسَنَاه وقدرته ألا يُعذِّب من عاذ بلا إلٰه إلا الله مخلصاً من قلبه. وقال جعفر بن محمد وسعيد بن جبير: «الحاء» من الرحمٰن، و «الميم» من المجيد، و «العين» من العليم، و «السين» من القدّوس، و «القاف» من القاهر. وقال مجاهد: فواتح السور. وقال عبد الله بن بُريدة: إنه اسم الجبل المحيط بالدنيا. وذكر القشيريّ، واللفظ للثعلبيّ: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية عُرفت الكآبة في وجهه؛ فقيل له: يا رسول الله، ما أحزنك؟ قال: أخبِرت ببلايا تنزل بأمتي من خَسْف وقذف ونارٍ تحشرهم وريح تقذفهم في البحر وآياتٍ متتابعات متّصلات بنزول عيسى وخروج الدجال" . والله أعلم. وقيل: هذا في شأن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فـ «ـالحاء» حوضه المورود، و «الميم» ملكه الممدود، و «العين» عزه الموجود، و «السين» سناه المشهود، و «القاف» قيامه في المقام المحمود، وقربه في الكرامة من الملِك المعبود. وقال ابن عباس: ليس من نبيّ صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه: «حۤم. عۤـسۤـقۤ»؛ فلذلك قال:{ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ }. المهدويّ: وقد جاء في الخبر أن «حۤم. عۤـسۤـقۤ» معناه أوْحيت إلى الأنبياء المتقدّمين. وقرأ ابن مُحَيْصِن وابن كثير ومجاهد «يُوحَى» (بفتح الحاء) على ما لم يُسَمَّ فاعله؛ وروي عن ابن عمر. فيكون الجار والمجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل، ويجوز أن يكون اسم ما لم يسمّ فاعله مضمراً؛ أي يوحى إليك القرآن الذي تضمنته هذه السورة، ويكون اسم الله مرفوعاً بإضمار فعل، التقدير: يوحيه الله إليك؛ كقراءة ابن عامر وأبي بكر: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ رِجَالٌ } [النور: 36- 37] أي يسبحه رجال. وأنشد سيبويه:

لِيُبْكَ يزيدُ ضارعٌ بخصومةوأشعثُ ممن طوّحته الطوائح

فقال: لِيُبْكَ يزيد، ثم بيّن من ينبغي أن يبكيه، فالمعنى يبكيه ضارع. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف؛ كأنه قال: الله يوحيه. أو على تقدير إضمار مبتدأ أي الموحي الله. أو يكون المبتدأ والخبر «الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». وقرأ الباقون «يُوحِي إِلَيْكَ» بكسر الحاء، ورفع الاسم على أنه الفاعل: { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } تقدّم في غير موضع.