خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
١١
-الشورى

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى:{ فَاطِرُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } بالرفع على النعت لاسم الله، أو على تقدير هو فاطر. ويجوز النصب على النداء، والجرّ على البدل من الهاء في «عَلَيْهِ». والفاطر: المبدع والخالق. وقد تقدّم. { جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } قيل معناه إناثاً. وإنما قال: «مِنْ أَنْفُسِكُمْ» لأنه خلق حوّاء من ضلع آدم. وقال مجاهد: نَسْلاً بعد نسل. { وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } يعني الثمانية التي ذكرها في «الأنعام» ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها. { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } أي يخلقكم وينشئكم «فِيهِ» أي في الرحم. وقيل: في البطن. وقال الفرّاء وٱبن كيسان: «فيه» بمعنى به. وكذلك قال الزجاج: معنى «يَذْرَوُكُمْ فِيهِ» يكثركم به؛ أي يكثركم يجعلكم أزواجاً، أي حلائل؛ لأنهن سبب النسل. وقيل: إن الهاء في «فِيهِ» للجعل، ودلّ عليه «جَعَلَ»؛ فكأنه قال: يخلقكم ويكثركم في الجعل. ٱبن قتيبة: «يَذْرَوُكُمْ فِيهِ» أي في الزوج؛ أي يخلقكم في بطون الإناث. وقال: ويكون «فِيهِ» في الرحم، وفيه بُعْدٌ؛ لأن الرحم مؤنثة ولم يتقدّم لها ذكر. { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } قيل: إن الكاف زائدة للتوكيد؛ أي ليس مثله شيء. قال:

وصاليـاتٍ كَكُمَا يُؤثَفَيْن

فأدخل على الكاف كافاً تأكيداً للتشبيه. وقيل: المثل زائدة للتوكيد؛ وهو قول ثعلب: ليس كهو شيء؛ نحو قوله تعالى: { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } [البقرة: 137]. وفي حرف ابن مسعود «فَإنْ آمَنُوا بِمَا آمَنْتُمْ بهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا» قال أوْس بن حَجَر:

وقَتْلَى كمثل جذوع النخــيل يغشاهم مطر منهمر

أي كجذوع. والذي يُعتقد في هذا الباب أن الله جل ٱسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعليّ صفاته، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبّه به، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي؛ إذ صفات القديم جل وعز بخلاف صفات المخلوق؛ إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والأعراض، وهو تعالى منزّه عن ذلك؛ بل لم يزل بأسمائه وبصفاته على ما بيّناه في (الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)، وكفى في هذا قوله الحق: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }. وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطّلة من الصفات. وزاد الواسطيّرحمه الله بياناً فقال: ليس كذاته ذات، ولا كٱسمه ٱسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ؛ وجلّت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة؛ كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة. وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. رضي الله عنهم!