خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
-الشورى

الجامع لاحكام القرآن

فيه ثلاث مسائل:

الأولى ـ قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } قال عبد الرحمٰن بن زيد: هم الأنصار بالمدينة؛ استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثني عشر نقيباً منهم قبل الهجرة. { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي أدّوها لمواقيتها بشروطها وهيئاتها.

الثانية ـ قوله تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } أي يتشاورون في الأمور. والشُّورَى مصدر شاورته؛ مثل البشرى والذكرى ونحوه. فكانت الأنصار قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم إليهم إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه؛ فمدحهم الله تعالى به؛ قاله النقاش. وقال الحسن: أي إنهم لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون؛ فمدِحوا باتفاق كلمتهم. قال الحسن: ما تشاور قوم قطُّ إلا هُدُوا لأرشد أمورهم. وقال الضحاك: هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورود النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له. وقيل تشاورهم فيما يعرض لهم؛ فلا يستأثر بعضهم بخبر دون بعض. وقال ابن العربي: الشُّورَى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم قط إلا هُدُوا. وقد قال الحكيم:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعنبرأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضةفإن الخَوَافي قوّة للقوادم

فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك. وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب؛ وذلك في الآراء كثير. ولم يكن يشاورهم في الأحكام؛ لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام من الفرض والندب والمكروه والمباح والحرام. فأما الصحابة بعد استئثار الله تعالى به علينا فكانوا يتشَاورون في الأحكام ويستنبطونها من الكتاب والسنّة. وأوّل ما تشاور فيه الصحابة الخلافةُ؛ فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار ما سبق بيانه. وقال عمر رضي الله عنه: نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا. وتشاوروا في أهل الردة فٱستقر رأي أبي بكر على القتال. وتشاوروا في الجَدّ وميراثه، وفي حدّ الخمر وعدده. وتشاوروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب؛ حتى شاور عمر الهُرْمُزان حين وَفَدَ عليه مسلماً في المغازي، فقال له الهرمزان: مثلها ومثل من فيها من الناس من عدوّ المسلمين مثل طائر له ريش وله جناحان ورجلان فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شُدِخ الرأس ذهب الرجلان والجناحان. والرأسُ كسْرى والجناح الواحد قيصر والآخر فارس؛ فَمُر المسلمين فلينفروا إلى كِسْرى... وذكر الحديث. وقال بعض العقلاء: ما أخطأت قط إذا حَزَبَني أمر شاورت قومي ففعلت الذي يرون؛ فإن أصبت فهم المصيبون، وإن أخطأت فهم المخطئون.

الثالثة ـ قد مضى في «آل عمران» ما تضمنته الشورى من الأحكام عند قوله تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [آل عمران: 159]. والمَشُورة بركة. والمَشْوَرة: الشُّورَى، وكذلك المشُورة (بضم الشين)؛ تقول منه: شاورته في الأمر واستشرته بمعنًى. وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أمراؤكم خيارَكم وأغنياؤكم سمحاءَكم وأمْرُكم شُورَى بينكم فظَهْر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءَكم وأمورُكم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها" . قال حديث غريب. { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي ومما أعطيناهم يتصدقون. وقد تقدّم في «البقرة».