خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
٣٩
وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ
٤١
إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٢
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ
٤٣
-الشورى

الجامع لاحكام القرآن

فيه إحدى عشرة مسألة:

الأولى ـ قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ } أي أصابهم بغي المشركين. قال ابن عباس: وذلك أن المشركين بَغَوْا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه وآذوهم وأخرجوهم من مكة، فأذن الله لهم بالخروج ومكن لهم في الأرض ونصرهم على من بغى عليهم؛ وذلك قوله في سورة الحج: { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ } [الحج: 39 - 40] الآيات كلها. وقيل: هو عام في بَغْي كل باغ من كافر وغيره، أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه. وهذه إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود. قال ٱبن العربي: ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح، وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح؛ فاحتمل أن يكون أحدهما رافعاً للآخر، وٱحتمل أن يكون ذلك راجعاً إلى حالتين؛ إحداهما أن يكون الباغي معلناً بالفجور، وقِحاً في الجمهور، مؤذياً للصغير والكبير؛ فيكون الانتقام منه أفضل. وفي مثله قال إبراهيم النَّخَعِيّ: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترىء عليهم الفساق. الثانية ـ أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة؛ فالعفو هاهنا أفضل، وفي مثله نزلت: { وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [البقرة: 237]. وقوله: { { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } [المائدة: 45]. وقوله: { وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } [النور: 22].

قلت: هذا حسن، وهكذا ذكر الكِيا الطبري في أحكامه قال: قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل؛ ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة للّه سبحانه وتعالى وإقام الصلاة؛ وهو محمول على ما ذكر إبراهيم النَّخَعِيّ أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فتجترىء عليهم الفساق؛ فهذا فيمن تعدّى وأصر على ذلك. والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مقلعاً. وقد قال عقيب هذه الآية: { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ }. ويقتضي ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به؛ وقد عقبه بقوله: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }. وهو محمول على الغفران عن غير المُصِرّ، فأما المصرّ على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها. وقيل: أي إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه؛ قاله ابن بحر. وهو راجع إلى العموم على ما ذكرنا.

الثانية ـ قوله تعالى: { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } قال العلماء: جعل الله المؤمنين صِنفين؛ صنف يعفون عن الظالم فبدأ بذكرهم في قوله: { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }. وصنف ينتصرون من ظالمهم. ثم بين حدّ الانتصار بقوله: { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } فينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي. قال مقاتل وهشام بن حُجَير: هذا في المجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره من سب أو شتم. وقاله الشافعي وأبو حنيفة وسفيان. قال سفيان: وكان ابن شُبْرُمَة يقول: ليس بمكة مثل هشام. وتأوّل الشافعي في هذه الآية أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه؛ واستشهد في ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوج أبي سفيان: "خذي من ماله ما يكفيك وولدك" فأجاز لها أخذ ذلك بغير إذنه. وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في «البقرة». وقال ٱبن أبي نجيح: إنه محمول على المقابلة في الجراح. وإذا قال: أخزاه الله أو لعنه الله أن يقول مثله. ولا يقابل القذف بقذف ولا الكذب بكذب. وقال السُّدِّي: إنما مدح الله من انتصر ممن بغى عليه من غير اعتداء بالزيادة على مقدار ما فعل به؛ يعني كما كانت العرب تفعله. وسُمي الجزاء سيئةً لأنه في مقابلتها؛ فالأوّل ساء هذا في مال أو بدن، وهذا الاقتصاص يسوءه بمثل ذلك أيضاً؛ وقد مضى هذا كله في «البقرة» مستوفى.

الثالثة ـ قوله تعالى: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } قال ابن عباس: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو { فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } أي إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل: فكان العفو من الأعمال الصالحة. وقد مضى في «آل عمران» في هذا ما فيه كفاية، والحمد لله. وذكر أبو نعيم الحافظ عن علي بن الحسين رضي الله عنهم قال: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أيكم أهل الفضل؟ فيقوم ناس من الناس؛ فيقال: انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة؛ فيقولون إلى أين؟ فيقولون إلى الجنة؛ قالوا قبل الحساب؟ قالوا نعم قالوا من أنتم؟ قالوا أهل الفضل؛ قالوا وما كان فضلكم؟ قالوا كنا إذا جُهل علينا حَلِمنا وإذا ظُلمنا صَبَرْنَا وإذا سِيء إلينا عفونا؛ قالوا ٱدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. وذكر الحديث. { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } أي مَن بدأ بالظلم؛ قاله سعيد بن جبير. وقيل: لا يحبّ مَن يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد؛ قاله ابن عيسى.

الرابعة ـ قوله تعالى: { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ } أي المسلم إذا انتصر من الكافر فلا سبيل إلى لَوْمه، بل يُحمد على ذلك مع الكافر. ولا لوم إن ٱنتصر الظالم من المسلم؛ فالانتصار من الكافر حتم، ومن المسلم مباح، والعفو مندوب.

الخامسة ـ في قوله تعالى: { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } دليلٌ على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه. وهذا ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها ـ أن يكون قصاصاً في بدن يستحقه آدمي، فلا حرج عليه إن ٱستوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحكام، لكن يزجره الإمام في تفوته بالقصاص لما فيه من الجرأة على سفك الدم. وإن كان حقه غير ثابت عند الحاكم فليس عليه فيما بينه وبين الله حرج، وهو في الظاهر مطالب وبفعله مؤاخذ ومعاقب. القسم الثاني ـ أن يكون حدّ الله تعالى لا حق لآدمي فيه كحدّ الزنى وقطع السرقة؛ فإن لم يثبت ذلك عند حاكم أخذ به وعوقب عليه، وإن ثبت عند حاكم نُظر، فإن كان قطعاً في سرقة سقط به الحدّ لزوال العضو المستحق قطعه، ولم يجب عليه في ذلك حق لأن التعزير أدب، وإن كان جلداً لم يسقط به الحدّ لتعدّيه مع بقاء محله فكان مأخوذاً بحكمه. القسم الثالث ـ أن يكون حقاً في مال؛ فيجوز لصاحبه أن يغالب على حقه حتى يصل إليه إن كان ممن هو عالم به، وإن كان غير عالم نُظر، فإن أمكنه الوصول إليه عند المطالبة لم يكن له الاستسرار بأخذه. وإن كان لا يصل إليه بالمطالبة لجحود من هو عليه من عدم بيّنة تشهد له ففي جواز استسراره بأخذه مذهبان: أحدهما ـ جوازه؛ وهو قول مالك والشافعي. الثاني ـ المنع؛ وهو قول أبي حنيفة.

السادسة ـ قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } أي بعدوانهم عليهم؛ في قول أكثر العلماء. وقال ٱبن جريج: أي يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم. { وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي في النفوس والأموال؛ في قول الأكثرين. وقال مقاتل: بَغْيُهم عَملُهم بالمعاصي. وقال أبو مالك: هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير الإسلام ديناً. وعلى هذا الحدّ قال ٱبن زيد: إن هذا كله منسوخ بالجهاد، وإن هذا للمشركين خاصة. وقول قتادة: إنه عام؛ وكذا يدل ظاهر الكلام. وقد بيناه والحمد لله.

السابعة ـ قال ٱبن العربي: هذه الآية في مقابلة الآية المتقدّمة في «براءة» وهي قوله: { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [التوبة: 19]؛ فكما نفى الله السبيل عمن أحسن فكذلك نفاها على من ظلم؛ واستوفى بيان القسمين.

الثامنة ـ وٱختلف علماؤنا في السلطان يضع على أهل بلد مالاً معلوماً يأخذهم به ويؤدّونه على قدر أموالهم؛ هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل، وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم. فقيل لا؛ وهو قول سحنون من علمائنا. وقيل: نعم، له ذلك إن قدر على الخلاص؛ وإليه ذهب أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي ثم المالكي. قال: ويدل عليه قول مالك في الساعي يأخذ من غنم أحد الخلطاء شاة وليس في جميعها نصاب إنها مظلمة على من أخذت له لا يرجع على أصحابه بشيء. قال: ولست آخذ بما روِي عن سحنون؛ لأن الظلم لا أسوة فيه، ولا يلزم أحد أن يولج نفسه في ظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، والله سبحانه يقول: { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ }.

التاسعة ـ وٱختلف العلماء في التحليل؛ فكان ابن المُسَيِّب لا يحلل أحداً من عِرض ولا مال. وكان سليمان بن يَسار ومحمد بن سِيرين يحللان من العِرض والمال. ورأى مالك التحليل من المال دون العرض. روى ٱبن القاسم وٱبن وهب عن مالك وسئل عن قول سعيد بن المسيب «لا أحلل أحداً» فقال: ذلك يختلف؛ فقلت له يا أبا عبد الله، الرجلُ يسلف الرجلَ فيهلك ولا وفاء له؟ قال: أرى أن يحلله وهو أفضل عندي؛ فإن الله تعالى يقول: { ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر: 18]. فقيل له: الرجل يظلم الرجل؟ فقال: لا أرى ذلك، هو عندي مخالف للأوّل؛ يقول الله تعالى: { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } ويقول تعالى: { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } فلا أرى أن يجعله من ظلمه في حِلّ. قال ٱبن العربي: فصار في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها لا يحلّله بحالٍ؛ قاله سعيد بن المسيّب. الثاني ـ يحلّله؛ قاله محمد بن سيرين. الثالث ـ إن كان مالاً حلّله وإن كان ظلماً لم يحلله؛ وهو قول مالك. وجه الأوّل ألاّ يحلل ما حرّم الله؛ فيكون كالتبديل لحكم الله. ووجه الثاني أنه حقه فله أن يسقط كما يسقط دمَه وعرْضه. ووجه الثالث الذي اختاره مالك هو أن الرجل إذا غلب على أداء حقك فمن الرفق به أن يتحلله، وإن كان ظالماً فمن الحق ألا تتركه لئلا تغتر الظلمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة. وفي صحيح مسلم حديثُ أبي اليَسَر الطويل وفيه أنه قال لغريمه: أُخرج إليّ، فقد علمت أين أنت؛ فخرج؛ فقال: ما حملك على أن ٱختبأت مني؟ قال: أنا والله أحدّثك ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدّثك فأكذبك، وأن أعِدك فأخلِفك، وكنتَ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنتُ والله مُعْسِراً. قال قلت: آللّهِ؟ قال اللّهِ؛ قال: فأتى بصحيفة فمحاها فقال: إن وجدتَ قضاءً فٱقض، وإلا فأنت في حِلّ... وذكر الحديث. قال ٱبن العربي: وهذا في الحي الذي يرجى له الأداء لسلامة الذمة ورجاء التَّمَحُّل، فكيف بالميت الذي لا محاللة له ولا ذِمّة معه.

العاشرة ـ قال بعض العلماء: إن مَن ظُلم وأخِذ له مال فإنما له ثواب ما ٱحتبِس عنه إلى موته، ثم يرجع الثواب إلى ورثته، ثم كذلك إلى آخرهم؛ لأن المال يصير بعده للوارث. قال أبو جعفر الداودي المالكي: هذا صحيح في النظر؛ وعلى هذا القول إن مات الظالم قبل مَن ظلمه ولم يترك شيئاً أو ترك ما لم يعلم وارثه فيه بظلم لم تنتقل تباعة المظلوم إلى ورثة الظالم؛ لأنه لم يبقَ للظالم ما يستوجبه ورثة المظلوم.

الحادية عشرة ـ قوله تعالى: { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ } أي صبر على الأذى و «غفر» أي ترك الانتصار لوجه الله تعالى؛ وهذا فيمن ظلمه مسلم. ويحكى أن رجلاً سبّ رجلاً في مجلس الحسنرحمه الله فكان المسبوب يكظِم ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية؛ فقال الحسن: عقلها والله! وفهمها إذ ضيّعها الجاهلون. وبالجملة العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوباً إليه كما تقدّم؛ وذلك إذا ٱحتيج إلى كفّ زيادة البغي وقطع مادّة الأذى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه، وهو "أن زينب أسمعت عائشة رضي الله عنهما بحضرته فكان ينهاها فلا تنتهي، فقال لعائشة: دونِك فانتصري" خرجه مسلم في صحيحه بمعناه. وقيل: «صَبَر» عن المعاصي وستر على المساوىء. { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } أي من عزائم الله التي أمر بها. وقيل من عزائم الصواب التي وفق لها. وذكر الكلبي والفراء أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلاث آيات قبلها، وقد شتمه بعض الأنصار فردّ عليه ثم أمسك. وهي المدنيات من هذه السورة. وقيل: هذه الآيات في المشركين، وكان هذا في ابتداء الإسلام قبل الأمر بالقتال ثم نسختها آية القتال؛ وهو قول ٱبن زيد، وقد تقدّم. وفي تفسير ٱبن عباس «وَلَمَنِ ٱنْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ» يريد حمزة بن عبد المطلب وعبيدة وعليًّا وجميع المهاجرين رضوان الله عليهم. { فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } يريد حمزة بن عبد المطلب وعبيدة وعليًّا رضوان الله عليهم أجمعين. { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ } يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبا جهل والأسود، وكل من قاتل من المشركين يوم بدر. { وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ } يريد بالظلم والكفر. { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يريد وجيع. { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ } يريد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ومُصعب بن عُمير وجميع أهل بدر رضوان الله عليهم أجمعين. { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } حيث قبلوا الفِداء وصبروا على الأذى.