خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥
-الشورى

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى:{ تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ } قراءة العامة بالتاء. وقرأ نافع وابن وَثّاب والكسائيّ بالياء. { يَتَفَطَّرْنَ } قرأ نافع وغيره بالياء والتاء والتشديد في الطاء، وهي قراءة العامة. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر والمفضّل وأبو عبيد «يَنْفَطِرْنَ» من الانفطار؛ كقوله تعالى: { { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } [الانفطار: 1] وقد مضى في سورة «مريم» بيان هذا. وقال ابن عباس: «تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ» أي تكاد كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها؛ من قول المشركين: { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [الكهف: 4]. وقال الضحاك والسدي: «يَتَفَطَّرْنَ» أي يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن. وقيل: «فوقهن»: فوق الأرضين من خشية الله لو كنّ مما يعقل.

قوله تعالى: { وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي ينزهونه عما لا يجوز في وصفه، وما لا يليق بجلاله. وقيل يتعجبون من جرأة المشركين؛ فيُذكر التسبيح في موضع التعجّب. وعن عليّ رضي الله عنه: أن تسبيحهم تعجّب مما يرون من تعرّضهم لسخط الله. وقال ابن عباس: تسبيحهم خضوع لما يرون من عظمة الله. ومعنى «بِحَمْدِ رَبِّهِمْ»: بأمر ربهم؛ قاله السُّدِّي. { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } قال الضحاك: لمن في الأرض من المؤمنين؛ وقاله السدي. بيانه في سورة المؤمن: «وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا». وعلى هذا تكون الملائكة هنا حملة العرش. وقيل: جميع ملائكة السماء؛ وهو الظاهر من قول الكلبيّ. وقال وهب بن منبّه: هو منسوخ بقوله: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ }. قال المهدوِيّ: والصحيح أنه ليس بمنسوخ؛ لأنه خبر، وهو خاص للمؤمنين. وقال أبو الحسن الماوَرْدِيّ عن الكلبيّ: إن الملائكة لما رأت الملكين اللَّذَين اخْتُبِرا وبُعِثا إلى الأرض ليحكما بينهم، فافتتنا بالزُّهَرَة وهربا إلى إدريس ـ وهو جَدّ أبي نوح عليهما السلام ـ وسألاه أن يدعُوَ لهما، سبَّحت الملائكة بحمد ربهم وٱستغفرت لبني آدم. قال أبو الحسن بن الحصار: وقد ظن بعض مَن جهل أن هذه الآية نزلت بسبب هاروت وماروت، وأنها منسوخة بالآية التي في المؤمن، وما علموا أن حملة العرش مخصوصون بالاستغفار للمؤمنين خاصة، وللّه ملائكة أُخر يستغفرون لمن في الأرض. الماورديّ: وفي استغفارهم لهم قولان: أحدهما ـ من الذنوب والخطايا؛ وهو ظاهر قول مقاتل. الثاني ـ أنه طلب الرزق لهم والسَّعة عليهم؛ قاله الكلبيّ.

قلت: وهو أظهر، لأن الأرض تعمّ الكافر وغيره، وعلى قول مقاتل لا يدخل فيه الكافر. وقد روي في هذا الباب خبر رواه عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سَلْمان قال: إن العبد إذا كان يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت معروف من آدميّ ضعيف، كان يذكر الله تعالى في السراء فنزلت به الضراء؛ فيستغفرون له. فإذا كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة: صوت منكر من آدمي كان لا يذكر الله في السراء فنزلت به الضراء فلا يستغفرون الله له. وهذا يدل على أن الآية في الذاكرِ للّهِ تعالى في السراء والضراء، فهي خاصّة ببعض مَن في الأرض من المؤمنين. والله أعلم. ويحتمل أن يقصدوا بالاستغفار طلب الحلم والغفران في قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ ـ إلى أن قال ـ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } [فاطر: 41]، وقولِه تعالى: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } [الرعد: 6]. والمراد الحلم عنهم وألا يعاجلهم بالانتقام؛ فيكون عاماً؛ قاله الزمخشِريّ. وقال مُطَرِّف: وجدنا أنصح عبادِ الله لعباد الله الملائكة، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشياطين. وقد تقدّم. { أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } قال بعض العلماء: هَيّب وعَظَّم جلّ وعزّ في الابتداء، وألطف وبشّر في الانتهاء.