خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
٣٥
-محمد

الجامع لاحكام القرآن

فيه ثلاث مسائل:

الأولى ـ قوله تعالى: { فَلاَ تَهِنُواْ } أي تضعفوا عن القتال. والوهْن: الضعف. وقد وَهَن الإنسانُ وَوَهَنَهُ غيره، يتعدّى ولا يتعدّى. قال:

إنني لست بموهونٍ فَقِرْ

ووهِن أيضاً (بالكسر) وَهْناً أي ضعف، وقرىء «فما وهُنُوا» بضم الهاء وكسرها. وقد مضى في (آل عمران).

الثانية ـ قوله تعالى: { وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } أي الصلح. { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } أي وأنتم أعلم بالله منهم. وقيل: وأنتم الأعلون في الحجة. وقيل: المعنى وأنتم الغالبون لأنكم مؤمنون وإن غلبوكم في الظاهر في بعض الأحوال. وقال قتادة: لا تكونوا أوّل الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها.

الثالثة ـ واختلف العلماء في حكمها؛ فقيل: إنها ناسخة لقوله تعالى: { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } [الأنفال: 61]؛ لأن الله تعالى منع من الميل إلى الصلح إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الصلح. وقيل: منسوخة بقوله تعالى: { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } [الأنفال: 16]. وقيل: هي محكمة. والآيتان نزلتا في وقتين مختلفي الحال. وقيل: إن قوله: { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } مخصوص في قوم بأعيانهم، والأخرى عامة. فلا يجوز مهادنة الكفار إلا عند الضرورة؛ وذلك إذا عجزنا عن مقاومتهم لضعف المسلمين. وقد مضى هذا المعنى مستوفى. { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } أي بالنصر والمعونة؛ مثل: { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت: 69]: { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي لن ينقصكم؛ عن ابن عباس وغيره. ومنه الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه؛ تقول منه: وَتَره يَتِره وَتْراً وَتِرَةً. ومنه قوله عليه السلام: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وَتَرَ أهله وماله" أي ذهب بهما. وكذلك وَتَرَهُ حقّه أي نقصه. وقوله تعالى: { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } أي لن ينتقصكم في أعمالكم؛ كما تقول: دخلت البيت؛ وأنت تريد في البيت؛ قاله الجوهريّ. الفرّاء: «وَلَنْ يَتِرَكُمْ» هو مشتق من الوتر وهو الفرد؛ فكان المعنى: ولن يفردكم بغير ثواب.