خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٣٢
-الأنعام

الجامع لاحكام القرآن

فيه مسألتان:

الأُولى ـ قوله تعالى: { وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } أي لقصر مدّتها كما قال:

أَلاَ إنما الدُّنْيَا كأَحلامِ نائموما خيرُ عيشٍ لا يكونُ بدائم
تَأَمَّلْ إذا ما نلتَ بالأمس لَذَّةًفأَفنيتَها هل أَنت إلاّ كحالمِ

وقال آخر:

فٱعملْ على مَهلٍ فإنك مَيِّتوٱكدح لنفسك أَيُها الإنسانُ
فكأَنّ ما قد كان لم يكُ إذ مَضَىوكأَنّ ما هو كائنٌ قد كانا

وقيل: المعنى متاعُ الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ؛ أي الذي يشتهونه في الدنيا لا عاقبة له، فهو بمنزلة اللعب واللهو. ونظر سليمان بن عبدالملك في المرآة فقال: أنا الملك الشاب؛ فقالت له جارية له:

أنتَ نِعْمَ المتاع لو كنتَ تَبْقَىغير أَنْ لا بقاءَ للإنسانِ
ليس فيما بَدَا لنا منكَ عيبٌكان في النّاس غير أَنّك فَاني

وقيل: معنى { لَعِبٌ وَلَهْوٌ } باطل وغرور، كما قال: { { وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } [آل عمران: 185] فالمقصد بالآية تكذيب الكفّار في قولهم: { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا }. واللعب معروف، والتَّلْعابة الكثير اللعب، والمَلْعَب مكان اللعب؛ يقال: لَعِب يَلْعَب. والّلهو أيضاً معروف، وكل ما شَغَلك فقد ألهَاك، ولَهَوت من اللهو، وقيل: أصله الصّرف عن الشيء؛ من قولهم: لَهَيتُ عنه؛ قال المهدوي: وفيه بُعدٌ؛ لأن الذي معناه الصّرف لامه ياء بدليل قولهم: لهْيَانُ، ولام الأول واو.

الثانية ـ ليس من اللّهو واللّعب ما كان من أمور الآخرة. فإن حقيقة اللّعب ما لا ينتفع به واللّهو ما يُلتهى به، وما كان مراداً للآخرة خارج عنهما؛ وذمّ رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي: الدنيا دار صدق لمن صَدَقها، ودار نجاة لمن فهِم عنها، ودار غِنىً لمن تزود منها. وقال محمود الورّاق:

لا تُتبِع الدُّنيا وأيامَهاذماً وإنْ دارتْ بك الدائرهْ
من شرِف الدُّنيا ومن فضلِهاأَن بها تُستدركُ الآخِرهْ

وروى أبو عمر بن عبدالبر عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ما كان فيها من ذكر الله أَو أَدَّى إلى ذكر الله والعالم والمتعلم شريكان في الأجر وسائر الناسَ هَمَجٌ لا خير فيه" وأخرجه التّرمذي عن أبي هُريرة وقال: حديث حسن غريب. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من هَوَان الدُّنيا على الله أَلاَ يُعصَى إلا فيها ولا يُنالُ ما عنده إلا بتركها" . وروى التَّرمذي عن سَهْل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تَعدِل عند الله جناحَ بَعوضة ما سَقَى كافِراً منها شَرْبةَ ماء" . وقال الشاعر:

تَسمَّعْ من الأَيام إن كنتَ حازمافإنّك منها بين ناهٍ وآمِرِ
إذا أَبقِت الدنيا على المرء دِينهفما فات من شيء فليس بضائر
ولن تَعدَل الدنيا جناحَ بَعوضةٍولا وَزْن زِفٍّ من جناحٍ لطائر
فما رِضى الدنيا ثواباً لمؤمنٍولا رِضى الدنيا جزاءً لكافر

وقال ابن عباس: هذه حياة الكافر لأنه يُزَجِّيها في غرور وباطل، فأما حياة المؤمن فتنطوي على أعمال صالحة، فلا تكون لهواً ولعباً.

قوله تعالى: { وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ } أي الجنة لبقائها؛ وسميت آخرة لتأخرها عنا، والدنيا لدنوها منا.

وقرأ ابن عامر «وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ» بلام واحدة؛ والإضافة على تقدير حذف المضاف وإقامة الصفة مقامه، التقدير: ولدار الحياةِ الآخرةِ. وعلى قراءة الجمهور «وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ» اللام لام الابتداء، ورفع الدار بالابتداء، وجعل الآخرة نعتاً لها والخبر { خَيْرٌ لِّلَّذِينَ } يقويه { { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } [القصص: 83] { { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ } [العنكبوت: 64] فأتت الآخرة صفة للدار فيهما. { لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } أي الشرك. { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } قرىء بالياء والتاء؛ أي أفلا يعقلون أن الأمر هكذا فيزهدوا في الدنيا. والله أعلم.