خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
٩١
-الأنعام

الجامع لاحكام القرآن

قوله تعالى: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي فيما وجب له وٱستحال عليه وجاز. قال ٱبن عباس: ما آمنوا أنه على كل شيء قدير. وقال الحسن: ما عظّموه حقَّ عظمته. وهذا يكون من قولهم: لفلان قَدر. وشرحُ هذا أنهم لما قالوا: { مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } نَسَبُوا الله عز وجل إلى أنه لا يقيم الحجة على عباده، ولا يأمرهم بما لهم فيه الصلاح؛ فلم يعظِّموه حقَّ عظمته ولا عرفوه حقَّ معرفته. وقال أبو عبيدة: أي ما عرفوا الله حقّ معرفته. قال النحاس: وهذا معنى حسن؛ لأن معنى قدرت الشيء وقدّرته عرفت مقداره. ويدلّ عليه قوله تعالى: { إذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ } أي لم يعرفوه حق معرفته؛ إذ أنكروا أن يرسل رسولا. والمعنيان متقاربان. وقد قيل: وما قدروا نِعم الله حق تقديرها. وقرأ أبو حَيْوَة: { وما قدروا الله حق قدَره } بفتح الدال، وهي لغة.

{ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } قال ٱبن عباس وغيره: يعني مشركي قريش. وقال الحسن وسعيد بن جبير: الذي قاله أحد اليهود، قال: لم يُنزل الله كتاباً من السماء. قال السُّدِّي: اسمه فنحاص. وعن سعيد بن جُبير أيضاً قال: هو "مالك بن الصَّيف، جاء يخاصم النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أَنْشُدُك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحَبْر السّمِين؟ وكان حبراً سميناً. فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشرٍ من شيء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحكٰ ولا على موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بَشَرٍ من شيء؛ فنزلت الآية" . ثم قال نقضاً لقولهم وردًّا عليهم: { قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } ـ أي في قراطيس ـ { تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } هذا لليهود الذين أخفَوْا صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرها من الأحكام. وقال مجاهد: قوله تعالى «قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى» خطاب للمشركين، وقوله: «يجعلونه قراطيس» لليهود وقوله { وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ } للمسلمين. وهذا يصحّ على قراءة من قرأ «يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون» بالياء. والوجه على قراءة التاء أن يكون كله لليهود، ويكون معنى «وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا» أي وعلّمتم ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم، على وجه المَنّ عليهم بإنزال التوراة. وجعلت التوراة صُحُفاً فلذلك قال «قراطيس تبدونها» أي تبدون القراطيس. وهذا ذَمّ لهم؛ ولذلك كره العلماء كتب القرآن أجزاء. { قُلِ ٱللَّهُ } أي قل يا محمد الله الذي أنزل ذلك الكتاب على موسى وهذا الكتاب عليّ. أو قل الله علمكم الكتاب. { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } أي لاعبين، ولو كان جواباً للأمر لقال يلعبوا. ومعنى الكلام التهديد. وقيل: هو من المنسوخ بالقتال؛ ثم قيل: «يجعلونه» في موضع الصفة لقوله «نُوراً وَهُدًى» فيكون في الصلة. ويحتمل أن يكون مستأنفاً، والتقدير: يجعلونه ذا قراطيس. وقوله: «يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيراً» يحتمل أن يكون صفة لقراطيس؛ لأن النكرة توصف بالجُمل. ويحتمل أن يكون مستأنفاً حسبما تقدّم.