خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٠
-التوبة

الجامع لاحكام القرآن

فيه إحدى عشرة مسألة:

الأُولى ـ قوله تعالىٰ: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ } يقول: تُعِينوه بالنّفْر معه في غزوة تبَوُك. عاتبهم الله بعد انصراف نبيه عليه السَّلام من تبوك. قال النقاش: هذه أوّل آية نزلت من سورة «براءة». والمعنى: إن تركتم نَصْره فالله يتكفّل به؛ إذ قد نصره الله في مواطن القلّة وأظهره على عدوّه بالغلبة والعزة. وقيل: فقد نصره الله بصاحبه في الغار بتأنيسه له وحمله على عنقه، وبوفائه ووقايته له بنفسه ومواساته له بماله. قال الليث بن سعد: ما صحب الأنبياء عليهم السَّلام مثل أبي بكر الصديق. وقال سفيان بن عُيينة: خرج أبو بكر بهذه الآية من المعاتبة التي في قوله: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ }.

الثانية ـ قوله تعالىٰ: { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهو خرج بنفسه فارّاً، لكن بإلجائهم إلى ذلك حتى فعله، فنسب الفعل إليهم ورتّب الحكم فيه عليهم؛ فلهذا يقتل المكرِه على القتل ويضمن المال المتلَف بالإكراه؛ لإلجائه القاتل والمتلِف إلى القتل والإتلاف.

الثالثة ـ قوله تعالىٰ: { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } أي أحد ٱثنين. وهذا كثالث ثلاثة ورابع أربعة. فإذا اختلف اللفظ فقلت رابع ثلاثة وخامس أربعة؛ فالمعنى صير الثلاثة أربعة بنفسه والأربعة خمسة. وهو منصوب على الحال؛ أي أخرجوه منفرداً من جميع الناس إلاَّ من أبي بكر. والعامل فيها «نصره الله» أي نصره منفرداً ونصره أحد اثنين. وقال عليّ بن سليمان: التقدير فخرج ثاني اثنين؛ مثل { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [نوح: 17]. وقرأ جمهور الناس «ثانِيَ» بنصب الياء. قال أبو حاتم: لا يعرف غير هذا. وقرأت فرقة «ثانِي» بسكون الياء. قَال ٱبن جنِّي: حكاها أبو عمرو بن العلاء، ووجهه أنه سكن الياء تشبيهاً لها بالألف. قال ٱبن عطية: فهي كقراءة الحسن «مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا» وكقول جرير:

هو الخليفة فَارْضَوْا ما رَضِي لَكُمُماضِي العزيمةِ ما في حُكْمه جَنَفُ

الرابعة ـ قوله تعالىٰ: { إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } الغار: ثقب في الجبل، يعني غار ثَوْر. ولما رأت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى المدينة قالوا: هذا شر شاغل لا يُطاق؛ فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيّتوه ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله أن يعمّى عليهم أثره، فطمس الله على أبصارهم فخرج وقد غشِيَهم النوم، فوضع على رؤوسهم تراباً ونهض، فلما أصبحوا خرج عليهم علي رضي الله عنه وأخبرهم أن ليس في الدار أحد، فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فات ونجا. وتواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق للهجرة، فدفعا راحلتيهما إلى عبد الله بن أَرقْط. ويُقال ابن أريقط، وكان كافراً لكنهما وثقا به، وكان دليلاً بالطرق فاستأجراه ليدل بهما إلى المدينة. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خَوْخة في ظهر دار أبي بكر التي في بني جُمَح ونهضا نحو الغار في جبل ثَوْر، وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يستمع ما يقول الناس، وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما ليلاً فيأخذ منها حاجتهما. ثم نهضا فدخلا الغار. وكانت أسماء بنت أبي بكر الصديق تأتيهما بالطعام ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار، ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم فيُعَفّى آثارهما. فلما فقدته قريش جعلت تطلبه بقائف معروف بقفاء الأثر، حتى وقف على الغار فقال: هنا انقطع الأثر. فنظروا فإذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته؛ ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله. فلما رأوا نسج العنكبوت أيقنوا أن لا أحد فيه، فرجعوا وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة لمن ردّه عليهم. الخبر مشهور، وقصة سراقة بن مالك ابن جعْشُم في ذلك مذكورة. وقد رُوي من حديث أبي الدّرداء وثَوْبان (رضي الله عنهما): أن الله عزّ وجل أمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إليها ردّهم ذلك عن الغار.

الخامسة ـ روى البخاريّ عن عائشة قالت: استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الدِّيل هادياً خِرِّيتاً، وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غارَ ثَوْر بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث، فارتحلا وارتحل معهما عامر بن فُهيرة والدليلُ الدّيلي، فأخذ بهم طريق الساحل.

قال المهلب: فيه من الفقه ائتمان أهل الشرك على السر والمال إذا عُلم منهم وفاء ومروءة كما ائتمن النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا المشرك على سِرّه في الخروج من مكة وعلى الناقتين. وقال ابن المنذر: فيه استئجار المسلمين الكفار على هداية الطريق. وقال البخاريّ في ترجمته: (باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام). قال ابن بطّال: إنما قال البخاريّ في ترجمته (أو إذا لم يوجد أهل الإسلام) من أجل أن النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما عامل أهل خيبر على العمل في أرضها إذ لم يوجد من المسلمين من ينوب منابهم في عمل الأرض، حتى قوِي الإسلام وٱستُغْني عنهم أجلاهم عمر. وعامة الفقهاء يجيزون استئجارهم عند الضرورة وغيرها. وفيه: استئجار الرجلين الرجل الواحد على عمل واحد لهما. وفيه: دليل على جواز الفِرار بالدِّين خوفاً من العدو، والاستخفاء في الغِيران وغيرها، ألاّ يُلقِي الإنسان بيده إلى العدوّ توكلا على الله وإستسلاما له. ولو شاء ربكم لعصَمه مع كونه معهم، ولكنها سنة الله في الأنبياء وغيرهم، ولن تجد لسنة الله تبديلاً. وهذا أدل دليل على فساد من منع ذلك وقال: من خاف مع الله سواه كان ذلك نقصاً في توكّله، ولم يؤمن بالقدر. وهذا كله في معنى الآية، ولله الحمد والهداية.

السادسة ـ قوله تعالىٰ: { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } هذه الآية تضمنت فضائل الصديق رضي الله عنه. روى أَصْبغ وأبو زيد عن ٱبن القاسم عن مالك «ثَانيَ ٱثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا» هو الصدّيق. فحقق الله تعالىٰ قوله له بكلامه ووصف الصحبة في كتابه. قال بعض العلماء: من أنكر أن يكون عمر وعثمان أو أحد من الصحابة صاحبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كذاب مبتدِع. ومن أنكر أن يكون أبو بكر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لأنه ردّ نص القرآن. ومعنى { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } أي بالنصر والرعاية والحفظ والكلاءة. روى الترمِذيّ والحارث بن أبي أُسامة قالا: حدّثنا عفان قال حدّثنا همام قال أخبرنا ثابت "عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبيّ صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه؛ فقال: يا أبا بكر ما ظنّك باثنين الله ثالثهما" . قال المُحاسِبيّ: يعني معهما بالنصر والدفاع؛ لا على معنى ما عمّ به الخلائق؛ فقال: { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة: 7]. فمعناه العموم أنه يسمع ويرى من الكفار والمؤمنين.

السابعة ـ قال ابن العربيّ: قالت الإمامية قبّحها الله: حزنُ أبي بكر في الغار دليل على جهله ونقصه، وضعف قلبه وخرقه. وأجاب علماؤنا عن ذلك بأن إضافة الحزن إليه ليس بنقص؛ كما لم ينقص إبراهيم حين قال عنه: «نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ». ولم ينقص موسى قوله: { { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ قُلْنَا لاَ تَخَفْ } [طه: 67]. وفي لوط: { وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ } [العنكبوت: 33]. فهؤلاء العظماء صلوات الله عليهم قد وجدت عندهم التَّقيّة نصّاً، ولم يكن ذلك طعناً عليهم ووصفاً لهم بالنقص؛ وكذلك في أبي بكر. ثم هي عند الصدّيق احتمال؛ فإنه قال: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. جواب ثان ـ إن حزن الصدّيق إنما كان خوفاً على النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يصل إليه ضرر، ولم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت معصوماً، وإنما نزل عليه { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67] بالمدينة.

الثامنة ـ قال ابن العربِيّ: قال لنا أبو الفضائل العدل قال لنا جمال الإسلام أبو القاسم قال موسى صلى الله عليه وسلم: { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء: 62] وقال في محمد صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا" لا جَرَم لما كان الله مع موسى وحده ارتدّ أصحابه بعده، فرجع من عند ربه ووجدهم يعبدون العجل. ولما قال في محمد صلى الله عليه وسلم "لاَ تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا" بقي أبو بكر مهتدياً موحّداً عالماً جازماً قائماً بالأمر ولم يتطرق إليه اختلال.

التاسعة ـ خرّج الترمِذي من حديث نُبيط بن شُريط عن سالم بن عبيد ـ له صحبة ـ قال: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم...؛ الحديث. وفيه: واجتمع المهاجرون يتشاورون فقالوا: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر. فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فقال عمر رضي الله عنه: من له مثل هذه الثلاث { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } من «هما»؟ قال: ثم بسط يده فبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة.

قلت: ولهذا قال بعض العلماء: في قوله تعالىٰ: { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } ما يدلّ على أن الخليفة بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأن الخليفة لا يكون أبداً إلاَّ ثانياً. وسمعتُ شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر يقول: إنما استحق الصديق أن يُقال له ثاني ٱثنين لقيامه بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بالأمر؛ كقيام النبيّ صلى الله عليه وسلم به أوّلاً. وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما مات ارتدّت العرب كلها، ولم يبق الإسلام إلاَّ بالمدينة ومكة وجُوَاثا؛ فقام أبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فٱستحق من هذه الجهة أن يُقال في حقه ثاني ٱثنين.

قلت ـ وقد جاء في السنة أحاديث صحيحة، يدلّ ظاهرها على أنه الخليفة بعده، وقد انعقد الإجماع على ذلك ولم يبق منه مخالف. والقادح في خلافته مقطوع بخطئه وتفسيقه. وهل يكفر أم لا؛ يُختلف فيه، والأظهر تكفيره. وسيأتي لهذا المعنى مزيد بيان في سورة «الفتح» إن شاء الله. والذي يقطع به من الكتاب والسنة وأقوال علماء الأُمة ويجب أن تؤمن به القلوب والأفئدة فضل الصديق على جميع الصحابة. ولا مبالاة بأقوال أهل الشّيع ولا أهل البدع؛ فإنهم بين مكفر تضرب رقبته، وبين مبتدع مفسّق لا تقبل كلمته. ثم بعد الصديق عمر الفاروق، ثم بعده عثمان. روى البخاريّ عن ابن عمر قال: كنا نخيّر بين الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان. وٱختلف أئمة أهل السلف في عثمان وعليّ؛ فالجمهور منهم على تقديم عثمان. ورُوي عن مالك أنه توقف في ذلك. وروي عنه أيضاً أنه رجع إلى ما عليه الجمهور. وهو الأصح إن شاء الله.

العاشرة ـ قوله تعالىٰ: { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } فيه قولان: أحدهما ـ على النبيّ صلى الله عليه وسلم. والثاني ـ على أبي بكر. ٱبن العربيّ: قال علماؤنا وهو الأقوى؛ لأنه خاف على النبيّ صلى الله عليه وسلم من القوم؛ فأنزل الله سكينته عليه بتأمين النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسكن جأشه وذهب رَوْعه وحصل الأمن، وأنبت الله سبحانه ثُمامة، وألهم الوَكْرَ هناك حمامةً؛ وأرسل العنكبوت فنسجت بيتاً عليه. فما أضعف هذه الجنود في ظاهر الحس وما أقواها في باطن المعنى ٰ ولهذا المعنى "قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعمر حين تغامر مع الصديق: هل أنتم تاركو لي صاحبي إن الناس كلّهم قالوا كذبت وقال أبو بكر صدقت" رواه أبو الدرداء.

الحادية عشرة ـ قوله تعالىٰ: { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } أي من الملائكة. والكناية في قوله «وَأَيَّدَهُ» ترجع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. والضميران يختلفان، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب. { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } أي كلمة الشرك. { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } قيل: لا إلٰه إلاَّ الله. وقيل: وعْد النصر. وقرأ الأعمش ويعقوب «وكلِمة اللَّهِ» بالنصب حملاً على «جعل». والباقون بالرفع على الاستئناف. وزعم الفراء أن قراءة النصب بعيدة؛ قال: لأنك تقول أعتق فلان غلام أبيه، ولا تقول غلام أبي فلان. وقال أبو حاتم: نحواً من هذا. قال: كان يجب أن يُقال وكلمته هي العليا. قال النحاس: الذي ذكره الفرّاء لا يشبه الآية، ولكن يشبهها ما أنشد سيبويه:

لا أرى الموتَ يسبِق الموتَ شيءٌنغّص الموت ذا الغِنَى والفقِيرَا

فهذا حسن جيّد لا إشكال فيه، بل يقول النحويون الحذاق: في إعادة الذكر في مثل هذا فائدة، وهي أن فيه معنى التعظيم؛ قال الله تعالىٰ: { { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [الزلزلة: 1 ـ 2] فهذا لا إشكال فيه. وجمع الكلِمة كَلِم. وتميم تقول: هي كِلمة بكسر الكاف. وحكى الفرّاء فيها ثلاث لغات: كَلِمة وكِلْمة وكَلْمة مثل كَبِد وكِبْد وكَبْد، ووَرِق ووِرْق ووَرْق. والكلْمة أيضاً القصيدة بطولها؛ قاله الجوهريّ.