خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبَّكُمْ عَظِيمٌ
٦
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
٧
وَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ
٨
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ
٩
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
١٠
-إبراهيم

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم، ويجوز أن ينتصب بـ { عَلَيْكُمْ } إن جعلت مستقرة غير صلة للنعمة، وذلك إذا أريد به العطية دون الأنعام، ويجوز أن يكون بدلاً من { نِعْمَةَ اللهِ } بدل الاشتمال. { يَسُومُونَكُمْ سُوء ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } أحوال من آل فرعون، أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب ها هنا غير المراد به في سورة «البقرة» و «الأعراف» لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه التذبيح ها هنا، وهو إما جنس العذاب أو استعبادهم أو استعمالهم بالأعمال الشاقة. { وَفِى ذٰلِكُمْ } من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه. { بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ } ابتلاء منه، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الانجاء والمراد بالبلاء النعمة.

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ } أيضاً من كلام موسى صلى الله عليه وسلم، و { تَأَذَّنَ } بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكلف والمبالغة. { لَئِنْ شَكَرْتُمْ } يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الانجاء وغيره بالإِيمان والعمل الصالح. { لأَزِيدَنَّكُمْ } نعمة إلى نعمة. { وَلَئِن كَفَرْتُمْ } ما أنعمت عليكم. { إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيد } فلعلي أعذبكم على الكفران عذاباً شديداً ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد، والجملة مقول قول مقدر أو مفعول { تَأَذَّنَ } على أنه جار مجرى «قَالَ» لأنه ضرب منه.

{ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعًا } من الثقلين. { فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ } عن شكركم. { حَمِيدٌ } مستحق للحمد في ذاته، محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات، فما ضررتم بالكفر إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد.

{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله. { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } جملة وقعت اعتراضاً، أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله ولا يعلمهم اعتراض، والمعنى أنهم لكثرتهم لا يعلم عددهم إلا الله، ولذلك قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كذب النسابون. { جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } فعضوها غيظاً مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام كقوله تعالى: { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [آل عمران: 119] أو وضعوها عليها تعجباً منه أو استهزاء عليه كمن غلبه الضحك، أو إسكاتاً للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمراً لهم باطباق الأفواه، أو أشاروا بها إلى ألسنتهم وما نطقت به من قولهم: { إِنَّا كَفَرْنَا } تنبيهاً على أن لا جواب لهم سواه أو ردوها في أفواه الأنبياء يمنعونهم من التكلم، وعلى هذا يحتمل أن يكون تمثيلاً. وقيل الأيدي بمعنى الأيادي أي ردوا أيادي الأنبياء التي هي مواعظهم وما أوحى إليهم من الحكم والشرائع في أفواههم، لأنهم إذا كذبوها ولم يقبلوها فكأنهم ردوها إلى حيث جاءت منه. { وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ } على زعمكم. { وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ } من الإِيمان وقرىء «تدعونا» بالادغام. { مُرِيبٍ } موقع في الريبة أو ذي ريبة وهي قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الشي.

{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّ } أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام في المشكوك فيه لا في الشك. أي إنما ندعوكم إلى الله وهو لا يحتمل الشك لكثرة الأدلة وظهور دلالتها عليه. وأشاروا إلى ذلك بقولهم: { فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } وهو صفة أو بدل، و { شَكٌّ } مرتفع بالظرف. { يَدْعُوكُمْ } إلى الإِيمان ببعثه إيانا. { لِيَغْفِرَ لَكُمْ } أو يدعوكم إلى المغفرة كقولك: دعوته لينصرني، على إقامة المفعول له مقام المفعول به. { مِّن ذُنُوبِكُمْ } بعض ذنوبكم وهو ما بينكم وبينه تعالى، فإن الإسلام يجبه دون المظالم، وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن تفرقة بين الخطابين، ولعل المعنى فيه أن المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتبة على الإِيمان وحيث جاءت في خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصي ونحو ذلك فتتناول الخروج عن المظالم. { وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى وقت سماه الله تعالى وجعله آخر أعماركم. { قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } لا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا ولو شاء الله أن يبعث إلى البشر رسلاً لبعث من جنس أفضل. { تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا } بهذه الدعوى. { فَأْتُونَا بِسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } يدل على فضلكم واستحقاقكم لهذه المزية، أو على صحة ادعائكم النبوة كأنهم لم يعتبروا ما جاءوا به من البينات والحجج واقترحوا عليهم آية أخرى تعنتاً ولجاجاً.