خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ
٥٤
قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ
٥٥
قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ
٥٦
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٧
قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ
٥٨
إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ
٥٩
إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ
٦٠
فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ
٦١
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ
٦٢
قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ
٦٣
وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
٦٤
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ
٦٥
وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ
٦٦
-الحجر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَىٰ أَن مَّسَّنِىَ ٱلْكِبَرُ } تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه، أو إنكار لأن يبشر به في مثل هذه الحالة وكذا قوله: { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } أي فبأي أعجوبة تبشرون، أو فبأي شيء تبشرون فإن البشارة بما لا يتصور وقوعه عادة بشارة بغير شيء، وقرأ ابن كثير بكسر النون مشددة في كل القرآن على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وكسرها وقرأ نافع بكسرها مخففة على حذف نون الجمع استثقالاً لإِجتماع المثلين ودلالة بإبقاء نون الوقاية وكسرها على الياء. { قَالُواْ بَشَّرْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ } بما يكون لا محالة، أو باليقين الذي لا لبس فيه أو بطريقة هي حق وهو قول الله تعالى وأمره. { فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَـٰنِطِينَ } من الآيسين من ذلك فإنه تعالى قادر على أن يخلق بشراً من غير أبوين فكيف من شيخ فان وعجوز عاقر، وكان استعجاب إبراهيم عليه السلام باعتبار العادة دون القدرة ولذلك:

{ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ } المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله تعالى وكمال علمه وقدرته كما قال تعالى: { { إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلا القَوْمُ الكَافِرُونَ } [يوسف: 87] وقرأ أبو عمرو والكسائي يقنط بالكسر، وقرىء بالضم وماضيهما قنط بالفتح.

{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } أي فما شأنكم الذي أرسلتم لأجله سوى البشارة، ولعله علم أن كمال المقصود ليس البشارة لأنهم كانوا عدداً والبشارة لا تحتاج إلى العدد، ولذلك اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم عليهما السلام، أو لأنهم بشروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت تمام المقصود لابتدؤوا بها.

{ قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } يعني قوم لوط.

{ إِلا ءَالَ لُوطٍ } إن كان استثناء من { قَوْمٌ } كان منقطعاً إذ الـ { قَوْمٌ } مقيد بالإِجرام وإن كان استثناء من الضمير في { مُّجْرِمِينَ } كان متصلاً، والقوم والإِرسال شاملين للمجرمين، و { آلَ لُوطٍ } المؤمنين به وكأن المعنى: إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط منهم لنهلك المجرمين وننجي آل لوط منهم، ويدل عليه قوله: { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ } أي مما يعذب به القوم، وهو استئناف إذا اتصل الاستثناء ومتصل بآل لوط جار مجرى خبر لكن إذا انقطع وعلى هذا جاز أن يكون قوله:

{ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } استثناء من { آلًَ لُوطٍ }، أو من ضميرهم، وعلى الأول لا يكون إلا من ضميرهم لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يجعل { إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ } اعتراضاً، وقرأ حمزة والكسائي { لَمُنْجُوهُمْ } مخففاً. { قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } الباقين مع الكفرة لتهلك معهم. وقرأ أبو بكر عن عاصم { قََدَرْنا } هنا وفي «النمل» بالتخفيف، وإنما علق والتعليق من خواص أفعال القلوب لتضمنه معنى العلم. ويجوز أن يكون { قَدَّرْنَآ } أجري مجرى قلنا لأن التقدير بمعنى القضاء قول، وأصله جعل الشيء على مقدار غيره وإسنادهم إياه إلى أنفسهم. وهو فعل الله سبحانه وتعالى لما لهم من القرب والاختصاص به.

{ فَلَمَّا جَآء ءالَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بِشَرٍ.

{ قَالُواْ بَلْ جِئْنَـٰكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ } أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما يسرك ويشفي لك من عدوك، وهو العذاب الذي توعدتهم به فيمترون فيه.

{ وَآتَيْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ } باليقين من عذابهم. { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } فيما أخبرناك به.

{ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ } فاذهب بهم في الليل، وقرأ الحجازيان بوصل الهمزة من السرى وهما بمعنى وقرىء «فسر» من السير. { بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ } في طائفة من الليل وقيل في آخره قال:

افتَحِي البَابَ وَانْظُرِي فِي النُّجُوم كَمْ عَلَيْنَا مِنْ قِطَعٍ لَيْلٍ بَهِيمِ

{ وَٱتَّبِعْ أَدْبَـٰرَهُمْ } وكن على أثرهم تذودهم وتسرع بهم وتطلع على حالهم. { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ } لينظر ما وراءه فيرى من الهول ما لا يطيقه أو فيصيبه ما أصابهم أو ولا ينصرف أحدكم ولا يتخلف امرؤ لغرض فيصيبه العذاب. وقيل نهوا عن الالتفات ليوطنوا نفوسهم على المهاجرة. { وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } إلى حيث أمركم الله بالمضي إليه، وهو الشام أو مصر فعدي { وَٱمْضُواْ } إلى «حَيْثُ تُؤْمَرُون» إلى ضميره المحذوف على الاتساع.

{ تُؤْمَرُونَ وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ } أي وأوحينا إليه مقضياً، ولذلك عدي بإلى. { ذَلِكَ ٱلاْمْرَ } مبهم يفسره. { إِنَّ دَابِرَ هَـؤُلآْء مَقْطُوعٌ } ومحله النصب على البدل منه وفي ذلك تفخيم للآمر وتعظيم له. وقرىء بالكسر على الاستئناف والمعنى: أنهم يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد. { مُّصْبِحِينَ } داخلين في الصبح وهو حال من هؤلاء، أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى. فـ { أَنَّ دَابِرَ هَـؤُلآْء } في معنى مدبري هؤلاء.