خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً
٥٩
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
٦٠
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً
٦١
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً
٦٢
قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً
٦٣
وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
٦٤
-الإسراء

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَـٰتِ } ما صرفنا عن إرسال الآيات التي اقترحها قريش. { إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم في الطبع كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنتنا وقد قضينا أن لا نستأصلهم، لأن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن. ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بتكذيب الآيات المقترحة فقال:

{ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ } بسؤالهم. { مُبْصِرَةً } بينة ذات أبصار أو بصائر، أو جاعلتهم ذوي بصائر وقرىء بالفتح. { فَظَلَمُواْ بِهَا } فكفروا بها، أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها. { وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَـٰتِ } أي بالآيات المقترحة. { إِلاَّ تَخْوِيفًا } من نزول العذاب المستأصل، فإن لم يخافوا نزل أو بغير المقترحة كالمعجزات وآيات القرآن إلا تخويفاً بعذاب الآخرة، فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة، والباء مزيدة أو في موقع الحال والمفعول محذوف.

{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ } واذكر إذ أوحينا إليك. { إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } فهم في قبضة قدرته، أو أحاط بقريش بمعنى أهلكهم من أحاط بهم العدو، فهي بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءيَا ٱلَّتِى أَرَيْنَـٰكَ } ليلة المعراج وتعلق به من قال إنه كان في المنام، ومن قال إنه كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية. أو عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة. وفيه أن الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ، ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى: { { إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ فِى مَنَامِكَ قَلِيلاً } [الأنفال: 43] ولما روي "أنه لما ورد ماءه قال لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، فتسامعت به قريش واستسخروا منه" وقيل رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال: «هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم»، وعلى هذا كان المراد بقوله: { إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ } ما حدث في أيامهم. { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلقُرْءانِ } عطف على { ٱلرُّءيَا } وهي شجرة الزقوم، لما سمع المشركون ذكرها قالوا إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر، ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السَمَنْدَل من أن تأكله النار، وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة، أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضاراً، وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي، وقرأت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك. { وَنُخَوّفُهُمْ } بأنواع التخويف. { فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا } إلا عتواً متجاوز الحد.

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَءسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا } لمن خلقته من طين، فنصب بنزع الخافض، ويجوز أن يكون حالاً من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين، أو منه أي أأسجد له وأصله طين. وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء بعلة الإنكار.

{ قَالَ أَرَءيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَيَّ } الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإِعراب، وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف للدلالة صلته عليه، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي. { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه: { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } أي لأستأصلنهم بالاغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، من أحتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطاً من قول الملائكة { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } [البقرة: 30] مع التقرير، أو تفرساً من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب.

{ قَالَ ٱذْهَبْ } امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه. { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ } جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب، ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات. { جَزَاء مَّوفُورًا } مكملاً من قولهم فر لصاحبك عرضه، وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في { جَزَاؤُكُمْ } من معنى تجازون، أو حال موطئة لقوله { مَّوفُورًا }.

{ وَٱسْتَفْزِزْ } واستخفف. { مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ } أن تستفزه والفز الخفيف. { بِصَوْتِكَ } بدعائك إلى الفساد. { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم } وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح. { بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } بأعوانك من راكب وراجل، والخيل الخيالة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام "يا خيل الله اركبي" والرجل اسم جمع للراجل كالصحب والركب، ويجوز أن يكون تمثيلاً لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم. وقرأ حفص { وَرَجِلِكَ } بالكسر وغيره بالضم وهما لغتان كندس وندس ومعناه: وجمعك الرجل. وقرىء و «رجالك» و «رجالك». { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأَمْوٰلِ } بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام والتصرف فيها على ما لا ينبغي. { وَٱلأَوْلْـٰدِ } بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب المحرم، والإِشراك فيه بتسميته عبد العزى، والتضليل بالحمل على الأديان الزائغة والحرف الذميمة والأفعال القبيحة. { وَعِدْهُمْ } المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة لطول الأمل. { وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } اعتراض لبيان مواعيده الباطلة، والغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب.