خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
٩٦
وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً
٩٧
ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
٩٨
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً
٩٩
قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُوراً
١٠٠
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً
١٠١
-الإسراء

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } على أني رسول الله إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي، أو على أني بلغت ما أرسلت به إليكم وأنكم عاندتم وشهيداً نصب على الحال أو التمييز. { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } يعلم أحوالهم الباطنة منها والظاهرة فيجازيهم عليها، وفيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفار.

{ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ } يهدونه. { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } يسحبون عليها أو يمشون بها. روي (أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يمشون على وجوههم قال: " إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم" { عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما يقبل منهم، لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصاموا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا بالصدق، ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار مؤفي القوى والحواس. { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ } سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم. { زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } توقداً بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإِعادة بعد الإِفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإِعادة والإِفناء وإليه أشار بقوله:

{ ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عِظَـٰماً وَرُفَـٰتاً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } لأن الإِشارة إلى ما تقدم من عذابهم.

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } أو لم يعلموا. { أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } فإنهم ليسوا أشد خلقاً منهن ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ } هو الموت أو القيامة. { فَأَبَىٰ ٱلظَّـٰلِمُونَ } مع وضوح الحق. { إِلاَّ كُفُورًا } إلا جحوداً.

{ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبّى } خزائن رزقه وسائر نعمه، وأنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول خاتم: لو ذات سوار لطمتني. وفائدة هذا الحذف والتفسير المبالغة مع الإِيجاز والدلالة على الاختصاص. { إِذًا لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنفَاقِ } لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود الله تعالى وكرمه هذا وإن البخلاء أغلب فيهم. { وَكَانَ ٱلإنْسَـٰنُ قَتُورًا } بخيلاً لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذله.

{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ ءايَـٰتٍ بَيّنَاتٍ } هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وانفجار الماء من الحجر وانفلاق البحر ونتق الطور على بني إسرائيل. وقيل الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة. وعن صفوان أن يهودياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت، فقبل اليهودي يده ورجله. فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة. وقوله وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا، حكم مستأنف زائد على الجواب ولذلك غير فيه سياق الكلام. { فَٱسْأَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ إِذْ جَاءهُمْ } فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك، أو سلهم عن حال دينهم ويؤيده قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم «فسأَل» على لفظ المضي بغير همز وهو لغة قريش و { إِذْ } متعلق بقلنا أو سأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد والمكابرة كمن قبلهم، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين وطمأنينة القلب وعلى هذا كان { إِذْ } نصباً بآيتنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف. { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَّسْحُورًا } سحرت فتخبط عقلك.