خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا سِتْراً
٩٠
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً
٩١
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً
٩٢
حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً
٩٣
قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً
٩٤
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً
٩٥
آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً
٩٦
فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً
٩٧
قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً
٩٨
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً
٩٩
وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً
١٠٠
-الكهف

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ ٱلشَّمْسِ } يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض، وقرىء بفتح اللام على إضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر. { وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً } من اللباس أو البناء، فإن أرضهم لا تمسك الأبنية أو أنهم اتخذوا الأسراب بدل الأبنية.

{ كَذٰلِكَ } أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو { نَجْعَلِ } أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم. { وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ } من الجنود والآلات والعدد والأسباب. { خُبْراً } علماً تعلق بظواهره وخفاياه، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغاً لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير.

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } يعني طريقاً ثالثاً معترضاً بين المشرق والمغرب آخذاً من الجنوب إلى الشمال.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ } بين الجبلين المبني بينهما سده وهماً جبلا أرمينية وأذربيجان. وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب «بَيْنَ السُّدَّيْنِ» بالضم وهما لغتان. وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس. وقيل بالكسر وبين ها هنا مفعول به وهو من الظروف المتصرفة. { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } لغرابة لغتهم وقلة فطنتهم. وقرأ حمزة والكسائي «لا يفقهون» أي لا يفهمون السامع كلامهم ولا يبينونه لتلعثمهم فيه.

{ قَالُواْ يَا ذَا ٱلْقَرْنَيْنِ } أي قال مترجمهم وفي مصحف ابن مسعود قال «الذين من دونهم». { إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ } قبيلتان من ولد يافث بن نوح، وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل. وهما اسمان أعجميان بدليل منع الصرف. وقيل عربيان من أج الظليم إذا أسرع وأصلهما الهمز كما قرأ عاصم ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث. { مُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع. قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا احتملوه، وقيل كانوا يأكلون الناس. { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } نخرجه من أموالنا. وقرأ حمزة والكسائي «خراجاً» وكلاهما واحد كالنول والنوال. وقيل الخراج على الأرض والذمة والخرج المصدر. { عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا } يحجز دون خروجهم علينا وقد ضمه من ضم «السُّدَّيْنِ» غير حمزة والكسائي.

{ قَالَ مَا مَكَّنّى فِيهِ رَبّى خَيْرٌ } ما جعلني فيه مكيناً من المال والملك خير مما تبذلون لي من الخراج ولا حاجة بي إليه. وقرأ ابن كثير «مكنني» على الأصل. { فَأَعِينُونِى بِقُوَّةٍ } أي بقوة فعلة أو بما أتقوى به من الآلات. { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا } حاجزاً حصيناً وهو أكبر من السد من قولهم ثوب مردم إذا كان رقاعاً فوق رقاع.

{ ءَاتُونِى زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ } قطعه والزبرة القطعة الكبيرة، وهو لا ينافي رد الخراج والاقتصار على المعونة لأن الإِيتاء بمعنى المناولة، ويدل عليه قراءة أبي بكر«رَدْمًا ٱئْتُونِى» بكسر التنوين موصولة الهمزة على معنى جيئوني بزبر الحديد، والباء محذوفة حذفها في أمرتك الخير ولأن إعطاء الآلة من الإِعانة بالقوة دون الخراج على العمل. { حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ } بين جانبي الجبلين بتنضيدها. وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريان بضمتين، وأبو بكر بضم الصاد وسكون الدال، وقرىء فتح الصاد وضم الدال وكلها لغات من الصدف وهو الميل لأن كلاً منهما منعزل عن الآخر ومنه التصادف للتقابل. { قَالَ ٱنفُخُواْ } أي قال للعملة انفخوا في الأكوار والحديد. { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ } جعل المنفوخ فيه. { نَارًا } كالنار بالإِحماء. { قَالَ آتُونِى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } أي آتوني قطراً أي نحاساً مذاباً أفرغ عليه قطراً، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه. وبه تمسك البصريون على أن إعمال الثاني من العاملين المتوجهين نحو معمول واحد أولى، إذ لو كان قطراً مفعول أفرغ حذراً من الإِلباس. وقرأ حمزة وأبو بكر قال { ءاتُونِى } موصولة الألف.

{ فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ } بحذف التاء حذراً من تلاقي متقاربين. وقرأ حمزة بالإِدغام جامعاً بين الساكنين على غير حده. وقرىء بقلب السين صاداً. { أَن يَظْهَرُوهُ } أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه. { وَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ لَهُ نَقْبًا } لثخنه وصلابته. وقيل حفر للأساس حتى بلغ الماء، وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين، ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً. وقيل بناه من الصخور مرتبطاً بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها.

{ قَالَ هَـٰذَا } هذا السد أو الأقدار على تسويته. { رَحْمَةٌ مّن رَّبّى } على عباده. { فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى } وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج، أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة. { جَعَلَهُ دَكّا } مدكوكاً مبسوطاً مسوى بالأرض، مصدر بمعنى مفعول ومنه جمل أدك لمنبسط السنام. وقرأ الكوفيون دكاء بالمد أي أرضاً مستوية. { وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً } كائناً لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين.

{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ } وجعلنا بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون مما وراء السد يموجون في بعض مزدحمين في البلاد، أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى ويؤيده قوله:{ وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ } لقيام الساعة. { فَجَمَعْنَـٰهُمْ جَمْعاً } للحساب والجزاء.

{ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَـٰفِرِينَ عَرْضاً } وأبرزناها وأظهرناها لهم.