خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
١١٧
-البقرة

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } مبدعهما، ونظيره السميع في قوله:

أمِنْ ريحانة الداعي السَّميع يُؤرِّقُني وأصْحابي هُجُوعُ

أو بديع سمواته وأرضه، من بدع فهو بديع، وهو حجة رابعة. وتقريرها أن الوالد عنصر الولد المنفعل بانفصال مادته عنه، والله سبحانه وتعالى مبدع الأشياء كلها، فاعل على الإطلاق، منزه عن الانفعال، فلا يكون والداً. والإبداع: اختراع الشيء لا عن الشيء دفعة، وهو أليق بهذا الموضوع من الصنع الذي هو: تركيب الصور لا بالعنصر، والتكوين الذي يكون بتغيير وفي زمان غالباً. وقرىء بديع مجروراً على البدل من الضمير في له. وبديع منصوباً على المدح.

{ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا } أي أراد شيئاً، وأصل القضاء إتمام الشيء قوة كقوله تعالى: { { وَقَضَىٰ رَبُّكَ } [الإسراء: 23] أو فعلاً كقوله تعالى: { فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَـٰوَاتٍ } [فصلت: 12] وأطلق على تعلق الإِرادة الإِلهية بوجود الشيء من حيث إنه يوجبه. { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } من كان التامة بمعنى أحدث فيحدث، وليس المراد به حقيقة أمر وامتثال، بل تمثيل حصول ما تعلقت به إرادته بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع بلا توقف. وفيه تقرير لمعنى الإِبداع، وإيماء إلى حجة خامسة وهي: أن اتخاذ الولد مما يكون بأطوار ومهلة، وفعله تعالى مستغن عن ذلك. وقرأ ابن عامر { فَيَكُونَ } بفتح النون. واعلم أن السبب في هذه الضلالة، أن أرباب الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون الأب على الله تعالى باعتبار أنه السبب الأول، حتى قالوا إن الأب هو الرب الأصغر، والله سبحانه وتعالى هو الرب الأكبر، ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به معنى الولادة، فاعتقدوا ذلك تقليداً، ولذلك كُفِّرَ قائله ومنع منه مطلقاً حسماً لمادة الفساد.