خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً
١٠٩
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً
١١٠
وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ ٱلْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً
١١١
وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
١١٢
وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً
١١٣
فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً
١١٤
وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
١١٥
-طه

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } الاستثناء من الشفاعة أي إلا شفاعة من أذن له أو من أعم المفاعيل، أي إلا من أذن في أن يشفع له فإن الشفاعة تنفعه، فَـ { مَنْ } على الأول مرفوع على البدلية وعلى الثاني منصوب على المفعولية و { أَذِنَ } يحتمل أن يكون من الاذن ومن الأذن. { وَرَضِىَ لَهُ قَوْلاً } أي ورضي لمكانه عند الله قوله في الشفاعة أو رضي لأجله قول الشافع في شأنه، أو قوله لأجله وفي شأنه.

{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ما تقدمهم من الأحوال. { وَمَا خَلْفَهُمْ } وما بعدهم مما يستقبلونه. { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } ولا يحيط علمهم بمعلوماته، وقيل بذاته وقيل الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعها، فإنهم لم يعلموا جميع ذلك ولا تفصيل ما علموا منه.

{ وَعَنَتِ ٱلْوُجُوهُ لِلْحَىِّ ٱلْقَيُّومِ } ذلت وخضعت له خضوع العناة وهم الأساري في يد الملك القهار، وظاهرها يقتضي العموم ويجوز أن يراد بها وجوه المجرمين فتكون اللام بدل الإِضافة ويؤيده. { وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً } وهو يحتمل الحال والاستئناف ما لأجله عنت وجوههم.

{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } بعض الطاعات. { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } إذ الإِيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الخيرات. { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً } منع ثواب مستحق بالوعد { وَلاَ هَضْماً } ولا كسراً منه بنقصان أو جزاء ظلم وهضم لأنه لم يظلم غيره ولم يهضم حقه، وقرىء «فلا يخف» على النهي.

{ وَكَذٰلِكَ } عطف على كذلك نقص أي مثل ذلك الإِنزال أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد. { أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّاً } كله على هذه الوتيرة. { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } مكررين آيات الوعيد. { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } المعاصي فتصير التقوى لهم ملكة. { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } عظة واعتباراً حين يسمعونها فتثبطهم عنها، ولهذه النكتة أسند التقوى إليه والإِحداث إلى القرآن.

{ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ } في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته ذاتهم. { ٱلْمَلِكُ } النافذ أمره ونهيه الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده. { ٱلْحَقُّ } في ملكوته يستحقه لذاته، أو الثابت في ذاته وصفاته { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } نهي عن الاستعجال في تلقي الوحي من جبريل عليه السلام ومساوقته في القراءة حتى يتم وحيه بعد ذكر الإِنزال على سبيل الاستطراد. وقيل نهي عن تبليغ ما كان مجملاً قبل أن يأتي بيانه. { وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً } أي سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال فإن ما أوحى إليك تناله لا محالة.

{ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ ءَادَمَ } ولقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه وأوعز إليه وعزم عليه وعهد إليه إذا أمره، واللام جواب قسم محذوف وإنما عطف قصة آدم على قوله { { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ } [الأحقاف: 27] للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان وعرقهم راسخ في النسيان. { مِن قَبْلُ } من قبل هذا الزمان. { فَنَسِىَ } العهد ولم يعن به حتى غفل عنه، أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة. { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } تصميم رأي وثباتاً على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة وتصلب لم يزله الشيطان ولم يستطع تغريره، ولعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور ويذوق شريها وأريها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم "لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه وقد قال الله تعالى { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }" وقيل عزماً على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمده ونجد إن كان من الوجود الذي بمعنى العلم فله عزماً مفعولاه، وإن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزماً أو متعلق بنجد.