{ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم } يعني مكة. { بِغَيْرِ حَقٍّ } بغير موجب استحقوه به. { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } على طريقة قول النابغة:
وَلاَ عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُم بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ
وقيل منقطع. { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين. { لَّهُدّمَتْ } لخربت باستيلاء المشركين على أهل الملل، وقرأ نافع { دفاع } وقرأ نافع وابن كثير { لَّهُدّمَتْ } بالتخفيف. { صَوٰمِعُ } صوامع الرهبانية. { وَبِيَعٌ } بيع النصارى. { وَصَلَوٰتٌ } كنائس اليهود، سميت بها لأنها يصلى فيها، وقيل أصلها صلوتا بالعبرانية فعربت. { وَمَسَـٰجِدُ } مساجد المسلمين. { يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } صفة للأربع أو لمساجد خصت بها تفضيلاً. { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } من ينصر دينه، وقد أنجز وعده بأن سلط المهاجرين والأنصار على صناديد العرب وأكاسرة العجم وقياصرتهم وأورثهم أرضهم وديارهم. { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ } على نصرهم. { عَزِيزٌ } لا يمانعه شيء.{ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } وصف للذين أخرجوا وهو ثناء قبل بلاء، وفيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين إذ لم يستجمع ذلك غيرهم من المهاجرين. وقيل بدل ممن ينصره. { وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلأُمُورِ } فإن مرجعها إلى حكمه، وفيه تأكيد لما وعده.
{ وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرٰهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وِأَصْحَـٰبُ مَدْيَنَ } تسلية له صلى الله عليه وسلم بأن قومه إن كذبوه فهو ليس بأحودي في التكذيب، فإن هؤلاء قد كذبوا رسلهم قبل قومه. { وَكُذِّبَ مُوسَىٰ } غير فيه النظم وبنى الفعل للمفعول لأن قومه بنو إسرائيل، ولم يكذبوه وإنما كذبه القبط ولأن تكذيبه كان أشنع وآياته كانت أعظم وأشيع. { فَأمْلَيْتُ لِلْكَـٰفِرِينَ } فأمهلتهم حتى انصرمت آجالهم المقدرة. { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي إنكاري عليهم بتغيير النعمة محنة والحياة هلاكاً والعمارة خراباً.
{ فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا } بإهلاك أهلها، وقرأ البصريان بغير لفظ التعظيم. { وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ } أي أهلها. { فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } ساقطة حيطانها على سقوفها بأن تعطل بنيانها فخرت سقوفها ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف، أو خالية مع بقاء عروشها وسلامتها فيكون الجار متعلقاً بـ { خَاوِيَةٌ }، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر أي هي خالية وهي على عروشها أي: مطلة عليها بأن سقطت وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها، والجملة معطوفة على { أَهْلَكْنَـٰهَا } لا على { وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ } فإنها حال والإِهلاك ليس حال خوائها فلا محل لها إن نصبت كأي بمقدر يفسره { أَهْلَكْنَـٰهَا } وإن رفعته بالإِبتداء فمحلها الرفع. { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ } عطف على { قَرْيَةٍ } أي وكم بئر عامرة في البوادي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها، وقرىء بالتخفيف من أعطله بمعنى عطله. { وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } مرفوع أو مجصص أخليناه عن ساكنيه، وذلك يقوي أن معنى { خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } خالية مع بقاء عروشها، وقيل المراد بـ { بئر } بئر في سفح جبل بحضرموت وبقصر قصر مشرف على قلته كانا لقوم حنظلة بن صفوان من قوم صالح فلما قتلوه أهلكهم الله تعالى وعطلهما.
{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } حث لهم على أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا، وهم وإن كانوا قد سافروا فلم يسافروا لذلك. { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } ما يجب أن يعقل من التوحيد بما حصل لهم من الاستبصار والاستدلال. { أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } ما يجب أن يسمع من الوحي والتذكير بحال من شاهدوا آثارهم. { فَإِنَّهَا } الضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار. وفي { تَعْمَى } راجع إليه والظاهر أقيم مقامه. { لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } عن الاعتبار أي ليس الخلل في مشاعرهم وإنما أيفت عقولهم باتباع الهوى والانهماك في التقليد، وذكر { ٱلصُّدُورِ } للتأكيد ونفي التجوز وفضل التنبيه على أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يخص البصر. قيل لما نزل
{ وَمَن كَانَ فِى هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } [الإسراء: 72] قال ابن أم مكتوم يا رسول الله أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى فنزلت { { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَـٰرُ } [الحج: 46] { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } المتوعد به. { وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به ولو بعد حين لكنه صبور لا يعجل بالعقوبة. { وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ } بيان لتناهي صبره وتأنيه حتى استقصر المدد الطوال، أو لتمادي عذابه وطول أيامه حقيقة، أو من حيث إن أيام الشدائد مستطالة، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء.
{ وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ } وكم من أهل قرية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه في الإِعراب، ورجع للضمائر والأحكام مبالغة في التعميم والتهويل وإنما عطف الأولى بالفاء وهذه بالواو، لأن الأولى بدل من قوله { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } وهذه في حكم ما تقدمها من الجملتين لبيان أن المتوعد به يحيق بهم لا محالة وأن تأخيره لعادته تعالى. { أَمْلَيْتُ لَهَا } كما أمهلتكم. { وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ } مثلكم. { ثُمَّ أَخَذْتُهَا } بالعذاب. { وَإِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ } وإلى حكمي مرجع الجميع.
{ قُلْ يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أوضح لكم ما أنذركم به، والاقتصار على الإِنذار مع عموم الخطاب وذكر الفريقين لأن صدر الكلام ومساقه للمشركين، وإنما ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم.
{ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لما بدر منهم. { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } هي الجنة والـ { كَرِيمٌ } من كل نوع ما يجمع فضائله.