خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٦
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ
١٧
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ
١٨
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ
١٩
قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ
٢٠
فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢١
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ
٢٢
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٣
قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ
٢٤
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ
٢٥
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ
٢٦
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
٢٧
قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ
٢٨
قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ
٢٩
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ
٣٠
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٣١
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
٣٢
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ
٣٣
قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
٣٤
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ
٣٥
قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ
٣٦
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ
٣٧
فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ
٣٨
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ
٣٩
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ
٤٠
فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ
٤١
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٤٢
-الشعراء

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أفرد الرسول لأنه مصدر وصف به فإنه مشترك بين المرسل والرسالة، قال الشاعر:

لَقَدْ كَذبَ الوَاشُونَ مَا فُهْتُ عِنْدَهُم بِسِرٍ وَلاَ أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ

ولذلك ثنى تارة وأفرد أخرى، أو لاتحادهما للأخوة أو لوحدة المرسل والمرسل به، أو لأنه أراد أن كل واحد منا.

{ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرٰءيلَ } أي أرسل لتضمن الرسول معنى الإِرسال المتضمن معنى القول، والمراد خلهم ليذهبوا معنا إلى الشام.

{ قَالَ } أي فرعون لموسى بعد ما أتياه فقالا له ذلك. { أَلَمْ نُرَبٍِّكَ فِينَا } في منازلنا. { وَلِيداً } طفلاً سمي به لقربه من الولادة. { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين، ثم بقي بعد الغرق خمسين.

{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } يعني قتل القبطي، وبخه به معظماً إياه بعدما عدد عليه نعمته، وقرىء فعلتك بالكسر لأنها كانت قتلة بالوكز. { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } بنعمتي حتى عمدت إلى قتل خواصي، أو ممن تكفرهم الآن فإنه عليه الصلاة والسلام كان يعايشهم بالتقية فهو حال من إحدى التاءين، ويجوز أن يكون حكماً مبتدأ عليه بأنه من الكافرين بآلهيته أو بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة، أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم.

{ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالّينَ } من الجاهلين وقد قرىء به، والمعنى من الفاعلين فعل أولي الجهل والسفه، أو من الخاطئين لأنه لم يتعمد قتله، أو من الذاهلين عما يؤول إليه الوكز لأنه أراد به التأديب، أو الناسين من قوله تعالى: { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا }

[البقرة: 282] { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبّي حُكْماً } حكمة. { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } رد أولاً بذلك ما وبخه به قدحاً في نبوته ثم كر على ما عد عليه من النعمة ولم يصرح برده لأنه كان صدقاً غير قادح في دعواه، بل نبه على أنه كان في الحقيقة نقمة لكونه مسبباً عنها فقال:

{ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرٰءيلَ } أي وتلك التربية نعمة تمنها علي ظاهراً، وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وقصدهم بذبح أبنائهم، فإنه السبب في وقوعي إليك وحصولي في تربيتك. وقيل إنه مقدر بهمزة الإِنكار أي تلك نعمة تمنها علي وهي { أَنْ عَبَّدتَّ }، ومحل { أَنْ عَبَّدتَّ } الرفع على أنه خبر محذوف أو بدل { نِعْمَة } أو الجر بإضمار الباء أو النصب بحذفها. وقيل تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة و { أَنْ عَبَّدتَّ } عطف بيانها والمعنى: تعبيدك بني إسرائيل نعمة { تَمُنُّهَا } علي، وإنما وحد الخطاب في تمنها وجمع فيما قبله لأن المنة كانت منه وحده، والخوف والفرار منه ومن ملئه.

{ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } لما سمع جواب ما طعن به فيه ورأى أنه لم يرعو بذلك شرع في الاعتراض على دعواه فبدأ بالاستفسار عن حقيقة المرسل.

{ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } عرفه بأظهر خواصه وآثاره لما امتنع تعريف الأفراد إلا بذكر الخواص والأفعال وإليه أشار بقوله:

{ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إن كنتم موقنين الأشياء محققين لها علمتم أن هذه الأجرام المحسوسة ممكنة لتركبها وتعددها وتغير أحوالها، فلها مبدىء واجب لذاته وذلك المبدىء لا بد وأن يكون مبدأ لسائر الممكنات ما يمكن أن يحس بها وما لا يمكن وإلا لزم تعدد الواجب، أو استغناء بعض الممكنات عنه وكلاهما محال ثم ذلك الواجب لا يمكن تعريفه إلا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لاستحالة التركيب في ذاته.

{ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } جوابه سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله، أو يزعم أنه { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } وهي واجبة متحركة لذاتها كما هو مذهب الدهرية، أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر.

{ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } عدولاً إلى ما لا يمكن أن يتوهم فيه مثله ويشك في افتقاره إلى مصور حكيم ويكون أقرب إلى الناظر وأوضح عند التأمل.

{ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } أسأله عن شيء ويجيبني عن آخر، وسماه رسولاً على السخرية.

{ قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا } تشاهدون كل يوم أنه يأتي بالشمس من المشرق ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع تنتظم به أمور الكائنات. { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } إن كان لكم عقل علمتم أن لا جواب لكم فوق ذلك لاينهم أولاً، ثم لما رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وعارضهم بمثل مقالهم.

{ قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } عدولاً إلى التهديد عن المحاجة بعد الانقطاع وهكذا ديدن المعاند المحجوج، واستدل به على ادعائه الألوهية وإنكاره الصانع وأن تعجبه بقوله { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } من نسبة الربوبية إلى غيره، ولعله كان دهرياً اعتقد أن من ملك قطراً أو تولى أمره بقوة طالعه استحق العبادة من أهله، واللام في { ٱلْمَسْجُونِينَ } للعهد أي ممن عرفت حالهم في سجوني فإنه كان يطرحهم في هوة عميقة حتى يموتوا ولذلك جعل أبلغ من لأسجننك.

{ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } أي أتفعل ذلك ولو جئتك بشيء يبين صدق دعواي، يعني المعجزة فإنها الجامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته والدلالة على صدق مدعي نبوته، فالواو للحال وليها الهمزة بعد حذف الفعل.

{ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في أن لك بينة أو في دعواك، فإن مدعي النبوة لا بُدَّ له من حجة.

{ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } ظاهر ثعبانيته واشتقاق الثعبان من ثعبت الماء فانثعب إذا فجرته فانفجر.

{ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّـٰظِرِينَ } روي أن فرعون لما رأى الآية الأولى قال فهل غيرها، فأخرج يده قال فما فيها فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشي الأبصار ويسد الأفق.

{ قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ } مستقرين حوله فهو ظهر وقع موقع الحال. { إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌ } فائق في علم السحر.

{ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } بهره سلطان المعجزة حتى حطه عن دعوى الربوبية إلى مؤامرة القوم وائتمارهم وتنفيرهم عن موسى وإظهار الاستشعار عن ظهوره واستيلائه على ملكه.

{ قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } أي أخر أمرهما. وقيل إحبسهما. { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَائِنِ حَـٰشِرِينَ } شرطاً يحشرون السحرة.

{ يَأْتُوكَ بِكُلّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } يفضلون عليه في هذا الفن وأمالها ابن عامر وأبو عمرو والكسائي، وقرىء «بكل ساحر».

{ فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } لما وقت به من ساعات يوم معين وهو وقت الضحى من يوم الزينة.

{ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } فيه استبطاء لهم في الاجتماع حثاً على مبادرتهم إليه كقول تأبط شراً:

هَلْ أَنْتَ بَاعِثٌ دِينَارٍ لحَاجَتِنَا أَوْ عَبْدَ رَبٍّ أَخَا عَوْنِ بن مِخْرَاقِ

أي ابعث أحدهما إلينا سريعاً.

{ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ } لعلنا نتبعهم في دينهم إن غلبوا والترجي باعتبار الغلبة المقتضية للاتباع، ومقصودهم الأصل أن لا يتبعوا موسى لا أن يتبعوا السحرة فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يتبعوا موسى عليه الصلاة والسلام.

{ فَلَمَّا جَاء ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } التزم لهم الأجر والقربة عنده زيادة عليه إن أغلبوا فإذا على ما يقتضيه من الجواب والجزاء، وقرىء { نِعْمَ } بالكسر وهما لغتان.