خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢١
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
٢٢
وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
٢٣
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
٢٤
فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ
٢٦
قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
٢٧
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٢٩
فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٣٠
-القصص

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ فَخَرَجَ مِنْهَا } من المدينة. { خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } لحوق طالب. { قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } خلصني منهم واحفظني من لحوقهم.

{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ } قبالة مدين قرية شعيب، سميت باسم مدين بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ولم تكن في سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمان. { قَالَ عَسَىٰ رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } توكلاً على الله وحسن ظن به، وكان لا يعرف الطريق فعن له ثلاث طرق فأخذ في أوسطها وجاء الطلاب عقيبه فأخذوا في الآخرين.

{ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ } وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منها. { وَجَدَ عَلَيْهِ } وجد فوق شفيرها. { أُمَّةً مّنَ ٱلنَّاسِ } جماعة كثيرة مختلفين. { يُسْقَوْنَ } مواشيهم. { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ } في مكان أسفل من مكانهم. { ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } تمنعان أغنامهما عن الماء لئلا تختلط بأغنامهم. { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } ما شأنكما تذودان. { قَالَتَا لاَ نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرّعَاءُ } تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذراً عن مزاحمة الرجال، وحذف المفعول لأن الغرض هو بيان ما يدل على عفتهما ويدعوه إلى السقي لهما ثم دونه. وقرأ أبو عمرو وابن عامر »يُصْدِرَ« أي ينصرف. وقرىء » ٱلرُّعَاء« بالضم وهو اسم جمع كالرخال. { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } كبير السن لا يستطيع أن يخرج للسقي فيرسلنا اضطراراً.

{ فَسَقَىٰ لَهُمَا } مواشيهما رحمة عليهما. قيل كانت الرعاة يضعون على رأس البئر حجراً لا يقله إلا سبعة رجال أو أكثر فأقله وحده مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم، وقيل كانت بئراً أخرى عليها صخرة فرفعها واستقى منها. { ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظّلِّ فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ } لأي شيء أنزلت إلي. { مّنْ خَيْرٍ } قليل أو كثير وحمله الأكثرون على الطعام. { فَقِيرٌ } محتاج سائل ولذلك عدى باللام، وقيل معناه إني لما أنزلت إلى من خير الدين صرت فقيراً في الدنيا، لأنه كان في سعة عند فرعون والغرض منه إظهار التبجح والشكر على ذلك.

{ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَاء } أي مستحيية متخفرة. قيل كانت الصغرى منهما وقيل الكبرى واسمها صفوراء أو صفراء وهي التي تزوجها موسى عليه اسلام. { قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ } ليكافئك. { أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } جزاء سقيك لنا، ولعل موسى عليه الصلاة والسلام إنما أجابها ليتبرك برؤية الشيخ ويستظهر بمعرفته لا طمعاً في الأجر، بل روي أنه لما جاءه قدم إليه طعاماً فامتنع عنه وقال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا حتى قال له شعيب عليه الصلاة والسلام: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا. هذا وأن كل من فعل معروفاً فأهدي بشيء لم يحرم أخذه. { فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يريد فرعون وقومه.

{ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } يعني التي استدعته. { يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ } لرعي الغنم.{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـأَجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلأَمِينُ } تعليل شائع يجري مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فيه، جعل { خَيْرٌ } اسماً وذكر الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه امرؤ مجرب معروف. روي أن شعيباً قال لها وما أعلمك بقوته فذكرت إقلال الحجر وأنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه.

{ قَالَ إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِى } أي تأجر نفسك مني أو تكون لي أجيراً، أو تثيبني من أجرك الله. { ثَمَانِىَ حِجَجٍ } ظرف على الأولين ومفعول به على الثالث بإضمار مضاف أي رعية ثماني حجج. { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً } عملت عشر حجج. { فَمِنْ عِندِكَ } فإتمامه من عندك تفضلاً لا من عندي إلزاما عليك. وهذا استدعاء العقد لا نفسه، فلعله جرى على أجرة معينة وبمهر آخر أو برعية الأجل الأول ووعد له أن يوفي الأخير إن تيسر له قبل العقد، وكانت الأغنام للمزوجة مع أنه يمكن اختلاف الشرائع في ذلك. { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } بإلزام إتمام العشر أو المناقشة في مراعاة الأوقات واستيفاء الأعمال، واشتقاق المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك في إطاقته ورأيك في مزاولته. { سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّـٰلِحِينَ } في حسن المعاملة ولين الجانب والوفاء بالمعاهدة.

{ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ } أي ذلك الذي عاهدتني فيه قائم بيننا لا نخرج عنه. { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ } أطولهما أو أقصرهما. { قُضِيَتِ } وفيتك إياه. { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان، أو فلا أكون متعدياً بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي، وهو أبلغ في إثبات الخيرة وتساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي. وقرىء { أَيَّمَا } كقوله:

تَنَظَّرْت نَصْراً وَالسماكين أَيُّمَا عَليَّ مِنَ الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مَوَاطِرُه

وأي الأجلين ما قضيت فتكون ما مزيدة لتأكيد الفعل أي: أي الأجلين جردت عزمي لقضائه، وعدوان بالكسر. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ } من المشارطة. { وَكِيلٌ } شاهد حفيظ.

{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ } بامرأته. روي أنه قضى أقصى الأجلين ومكث بعد ذلك عنده عشراً أخرى ثم عزم على الرجوع. { آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } أبصر من الجهة التي تلي الطور. { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُواْ إِنّى ءانَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي ءَاتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ } بخبر الطريق. { أَوْ جَذْوَةٍ } عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن.

قال:

بَاتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنُ لَهَا جَزلَ الجذى غَيْرَ خوارٍ وَلاَ دَعِرٍ

وقال آخر:

وَأَلْقَى عَلى قَبس مِنْ النَّارِ جَذْوَة شَدِيداً عَلَيْهِ حَرُّهَا وَالتِهَابُهَا

ولذلك بينه بقوله: { مِنَ ٱلنَّارِ } وقرأ عاصم بالفتح وحمزة بالضم وكلها لغات. { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } تستدفئون بها.

{ فَلَمَّا أَتَـٰهَا نُودِىَ مِن شَاطِىء ٱلْوَادِ ٱلأَيْمَـنِ } أتاه النداء من الشاطىء الأيمن لموسى. { فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } متصل بالشاطىء أو صلة لـ { نُودِىَ }. { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ } بدل من شاطىء بدل الاشتمال لأنها كانت ثابتة على الشاطىء. { أَن يٰ مُوسَىٰ } أي يا موسى. { إِنّى أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } هذا وإن خالف ما في «طه» «والنمل» لفظاً فهو طبقه في المقصود.