خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ
١٩
قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٠
يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
٢١
وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٢٢
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٣
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٤
وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٥
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٦
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٢٧
-العنكبوت

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىءُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ } من مادة ومن غيرها، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالتاء على تقدير القول وقرىء «يبدأ». { ثُمَّ يُعِيدُهُ } إخبار بالإِعادة بعد الموت معطوف على { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } لا على { يُبْدِىء }، فإن الرؤية غير واقعة عليه ويجوز أن تؤول الإِعادة بأن ينشىء في كل سنة مثل ما كان في السنة السابقة من النبات والثمار ونحوهما وتعطف على { يُبْدِىء }. { إِنَّ ذٰلِكَ } الإِشارة إلى الإِعادة أو إلى ما ذكر من الأمرين. { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } إذ لا يفتقر في فعله إلى شيء.

{ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ } حكاية كلام الله لإِبراهيم أو محمد عليهما الصلاة والسلام. { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } على اختلاف الأجناس والأحوال. { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىء ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ } بعد النشأة الأولى التي هي الإِداء، فإنه والإِعادة نشأتان من حيث أن كلاً اختراع وإخراج من العدم، والإِفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإِعادة، وأن من عرف بالقدرة على الإِبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإِعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر، وقرىء «النشاءة» كالرآفة. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى.

{ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } تعذيبه. { وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ } رحمته. { وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } تردون.

{ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } ربكم عن إدراككم. { فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَاء } إن فررتم من قضائه بالتواري في الأرض أو الهبوط في مهاويها، والتحصن { فِى ٱلسَّمَاء } أو القلاع الذاهبة فيها وقيل ولا من في السماء كقول حسان:

أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ الله مِنْكُم وَيَمْدَحهُ وَيَنْصُرهُ سَوَاء

{ وَمَا لَكُم مّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ } يحرسكم عن بلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء ويدفعه عنكم.

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ } بدلائل وحدانيته أو بكتبه. { وَلِقَائِهِ } بالبعث. { أُوْلَـئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى } أي ييأسون منها يوم القيامة، فعبر عنه بالماضي للتحقق والمبالغة، أو أيسوا في الدنيا لإنكار البعث والجزاء. { وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } بكفرهم.

{ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } قوم إبراهيم له. وقرىء بالرفع على أنه الاسم والخبر. { إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرّقُوهُ } وكان ذلك قول بعضهم لكن لما قيل فيهم ورضي به الباقون أسند إلى كلهم. { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ } أي فقذفوه في النار فأنجاه الله منها بأن جعلها عليه برداً وسلاماً. { إِنَّ فِى ذَلِكَ } في إنجائه منها. { لآيَاتٍ } هي حفظه من أذى النار وإخمادها مع عظمها في زمان يسر وإنشاء روض مكانها. { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } لأنهم المنتفعون بالتفحص عنها والتأمل فيها.

{ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَـٰناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي لتتوادوا بينكم وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها، وثاني مفعولي { ٱتَّخَذْتُمْ } محذوف ويجوز أن تكون مودة المفعول الثاني بتقدير مضاف أي اتخذتم أوثان سبب المودة بينكم أو بتأويلها بالمودودة، وقرأها نافع وابن عامر وأبو بكر منونة ناصبة بينكم والوجه ما سبق، وابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس مرفوعة مضافة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هي مودودة أو سبب مودة بينكم، والجملة صفة { أَوْثَـٰناً } أو خبر إن على { إِنَّمَا } مصدرية أو موصولة والعائد محذوف وهو المفعول الأول، وقرئت مرفوعة منونة ومضافة بفتح { بَيْنِكُمْ } كما قرىء { { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94] وقرىء «إنما مودة بينكم». { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي يقوم التناكر والتلاعن بينكم، أو بينكم وبين الأوثان على تغليب المخاطبين كقوله تعالى: { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 82] { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مّن نَّـٰصِرِينَ } يخلصونكم منها.

{ فَـئَامَنَ لَهُ لُوطٌ } هو ابن أخيه وأول من آمن به، وقيل إنه آمن به حين رأى النار لم تحرقه. { وَقَالَ إِنّى مُهَاجِرٌ } من قومي. { إِلَىٰ رَبّى } إلى حيث أمرني. { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الذي يمنعني من أعدائي. { ٱلْحَكِيمُ } الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي. روي أنه هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوط وامرأته سارة ابنة عمه إلى حران، ثم منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم.

{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ } ولداً ونافلة حين أيس من الولادة من عجوز عاقر ولذلك لم يذكر إسماعيل. { وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ } فكثر منهم الأنبياء. { وَٱلْكِتَـٰبَ } يريد به الجنس ليتناول الكتب الأربعة. { وَءَاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ } على هجرته إلينا. { فِى ٱلدُّنْيَا } بإعطاء الولد في غير أوانه، والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وإنماء أهل الملل إليه والثناء والصلاة عليه إلى آخر الدهر. { وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } لفي عداد الكاملين في الصلاح.