خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٥٧
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
٥٨
ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٥٩
وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦٠
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٦١
ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٦٢
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
٦٣
وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٦٤
فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
٦٥
لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ
٦٦
أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ
٦٧
-العنكبوت

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ ٱلْمَوْتِ } تناله لا محالة. { ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } للجزاء ومن هذا عاقبته ينبغي أن يجتهد في الاستعداد له وقرأ أبو بكر بالياء.

{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } لننزلنهم. { مّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } علالي، وقرأ حمزة والكسائي «لنثوينهم» أي لنقيمنهم من الثواء فيكون انتصاب غرفاً لإجرائه مجرى لننزلنهم، أو بنزع الخافض أو بتشبيه الظرف المؤقت بالمبهم. { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } وقرىء «فنعم» والمخصوص بالمدح محذوف دل عليه ما قبله.

{ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } على أذية المشركين والهجرة للدين إلى غير ذلك من المحن والمشاق. { وَعَلَىٰ رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ولا يتوكلون إلا على الله.

{ وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } لا تطيق حمله لضعفها أو لا تدخره، وإنما تصبح ولا معيشة عندها. { ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } ثم إنها مع ضعفها وتوكلها وإياكم مع قوتكم واجتهادكم سواء في أنه لا يرزقها وإياكم إلا الله، لأن رزق الكل بأسباب هو المسبب لها وحده فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة، فإنهم لما أمروا بالهجرة قال بعضهم كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة فنزلت. { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لقولكم هذا. { ٱلْعَلِيمُ } بضميركم.

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } المسؤول عنهم أهل مكة. { لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } لما تقرر في العقول من وجوب انتهاء الممكنات إلى واحد واجب الوجود. { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك.

{ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } يحتمل أن يكون الموسع له والمضيق عليه واحداً على أن البسط والقبض على التعاقب وألا يكون على وضع الضمير موضع من يشاء وإبهامه لأن من يشاء مبهم. { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } يعلم مصالحهم ومفاسدهم.

{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها أصولها وفروعها، ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الذي لا يقدر على شيء من ذلك. { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } على ما عصمك من مثل هذه الضلالة، أو على تصديقك وإظهار حجتك. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } فيتناقضون حيث يقرون بأنه المبدىء لكل ما عداه ثم إنهم يشركون به الصنم، وقيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عند مقالهم.

{ وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } إشارة تحقير وكيف لا وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة. { إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ } إلا كما يلهى ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين. { وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِىَ ٱلْحَيَوَانُ } لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها، أو هي في ذاتها حياة للمبالغة، و { ٱلْحَيَوَانُ } مصدر حي سمي به ذو الحياة وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واواً وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها ها هنا. { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لم يؤثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة والحياة فيها عارضة سريعة الزوال.

{ فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ } متصل بما دل عليه شرح حالهم أي هم على ما وصفوا به من الشرك فإذا ركبوا البحر. { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو. { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } فاجؤوا المعاودة إلى الشرك.

{ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ } اللام فيه لام كي أي يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة. { وَلِيَتَمَتَّعُواْ } باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها، أو لام الأمر على التهديد ويؤيده قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وقالون عن نافع »وَلِيَتَمَتَّعُواْ « بالسكون. { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } عاقبة ذلك حين يعاقبون.

{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ } يعني أهل مكة. { أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } أي جعلنا بلدهم مصوناً عن النهب والتعدي آمناً أهله عن القتل والسبي. { وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } يختلسون قتلاً وسبياً إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب. { أَفَبِٱلْبَـٰطِلِ يُؤْمِنُونَ } أبعد هذه النعمة المكشوفة وغيرها مما لا يقدر عليه إلا الله يؤمنون بالصنم أو الشيطان. { وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ } حيث أشركوا به غيره وتقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة.