خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً
٢١
وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً
٢٢
مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً
٢٣
لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً
٢٤
وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً
٢٥
وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً
٢٦
-الأحزاب

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد، أو هو في نفسه قدوة يحسن التأسي به كقولك في البيضة عشرون منا حديداً أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد، وقرأ عاصم بضم الهمزة وهو لغة فيه. { لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } أي ثواب الله أو لقاءه ونعيم الآخرة، أو أيام الله واليوم الآخر خصوصاً. وقيل هو كقولك أرجو زيداً وفضله، فإن { ٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } داخل فيها بحسب الحكم والرجاء يحتمل الأمل والخوف و { لِمَنْ } كان صلة لحسنة أو صفة لها. وقيل بدل من { لَكُمْ } والأكثر على أن ضمير المخاطب لا يبدل منه. { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية إلى ملازمة الطاعة، فإن المؤتسي بالرسول من كان كذلك.

{ وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } بقوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } [البقرة: 214] الآية، وقوله عليه الصلاة والسلام "سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم" وقوله عليه الصلاة والسلام: "إنهم سائرون إليكم بعد تسع أو عشر" وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الراء وفتح الهمزة. { وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } ظهر صدق خبر الله ورسوله أو صدقاً في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء، وإظهار الاسم للتعظيم. { وَمَا زَادَهُمْ } فيه ضمير { لَمَّا رَأَوُاْ }، أو الخطب أو البلاء. { إِلاَّ إِيمَانًا } بالله ومواعيده. { وَتَسْلِيماً } لأوامره ومقاديره.

{ مّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } من الثبات مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمقاتلة لإِعلاء الدين من صدقني إذا قال لك الصدق، فإن المعاهد إذا وفى بعهده فقد صدق فيه. { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } نذره بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر، والنحب النذر واستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان. { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } الشهادة كعثمان وطلحة رضي الله عنهما. { وَمَا بَدَّلُواْ } العهد ولا غيروه. { تَبْدِيلاً } شيئاً من التبديل. روي أن طلحة ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى أصيبت يده فقال عليه الصلاة والسلام: "أوجب طلحة" وفيه تعريض لأهل النفاق ومرض القلب بالتبديل، وقوله:

{ لّيَجْزِىَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } تعليل للمنطوق والمعرض به، فكأن المنافقين قصدوا بالتبديل عاقبة السوء كما قصد المخلصون بالثبات والوفاء العاقبة الحسنى، والتوبة عليهم مشروطة بتوبتهم أو المراد بها التوفيق للتوبة. { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } لمن تاب.

{ وَرَدَّ اللهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني الأحزاب. { بِغَيْظِهِمْ } متغيظين. { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } غير ظافرين وهما حالان بتداخل أو تعاقب. { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } بالريح والملائكة. { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً } على إحداث ما يريده. { عَزِيزاً } غالباً على كل شيء.

{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَـٰهَرُوهُم } ظاهروا الأحزاب. { مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني قريظة. { مِن صَيَاصِيهِمْ } من حصونهم جمع صيصية وهي ما يتحصن به ولذلك يقال لقرن الثور والظبى وشوكة الديك. { وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } الخوف وقرىء بالضم. { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } وقرىء بضم السين روي: "أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الليلة التي انهزم فيها الأحزاب فقال: أتنزع لأمتك والملائكة لم يضعوا السلاح إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم فأذن في الناس أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فحاصرهم إحدى وعشرين أو خمساً وعشرين حتى جهدهم الحصار فقال لهم: تنزلون على حكمي فأبوا فقال: على حكم سعد بن معاذ فرضوا به، فحكم سعد بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم، فكبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، فقتل منهم ستمائة أو أكثر وأسر منهم سبعمائة"