خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
٣٤
ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ
٣٥
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ
٣٦
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ
٣٧
إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٣٨
هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً
٣٩
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً
٤٠
إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً
٤١
-فاطر

انوار التنزيل واسرار التأويل

{ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } همهم من خوف العاقبة، أو همهم من أجل المعاش وآفاته أو من وسوسة إبليس وغيرها، وقرىء { ٱلْحَزَنَ }. { وَإِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ } للمذنبين. { شَكُورٍ } للمطيعين.

{ ٱلَّذِى أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ } دار الإِقامة. { مِن فَضْلِهِ } من إنعامه وتفضله إذ لا واجب عليه. { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } تعب. { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } كلا إذ لا تكليف فيها ولا كد، أتبع نفي النصب نفي ما يتبعه مبالغة.

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ } لا يحكم عليهم بموت ثان. { فَيَمُوتُواْ } فيتسريحوا، ونصبه بإضمار أن، وقرىء «فيموتون» عطفاً على { يُقْضَىٰ } فقوله تعالى: { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [المرسلات: 36] { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا } بل كلما خبت زيد إسعارها. { كَذٰلِكَ } مثل ذلك الجزاء. { نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } مبالغ في الكفر أو الكفران، وقرأ أبو عمرو «يجزى» على بناء المفعول وإسناده إلى { كُلٌّ }، وقرى «يجازي».

{ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } يستغيثون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته. { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ } بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به، والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه وأنهم كانوا يحسبون أنه صالح والآن تحقق لهم خلافه. { أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } جواب من الله وتوبيخ لهم و { مَّا يَتَذَكَّرُ } فيه متناول كل عمر يمكن المكلف فيه من التفكر والتذكر، وقيل ما بين العشرين إلى الستين. وعنه عليه الصلاة والسلام "العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة" والعطف على معنى { أَوَ لَمْ نُعَمّرْكُمْ } فإنه للتقرير كأنه قال: عمرناكم وجاءكم النذير وهو النبي صلى الله عليه وسلم أو الكتاب، وقيل العقل أو الشيب أو موت الأقارب. { فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } يدفع العذاب عنهم.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَـٰلِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لا يخفى عليه خافية فلا يخفى عليه أحوالهم. { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } تعليل له لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفى ما يكون كان أعلم بغيرها.

{ هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ فِى ٱلأَرْضِ } ملقى إليكم مقاليد التصرف فيها، وقيل خلفاً بعد خلف جمع خليفة والخلفاء جمع خليف. { فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } جزاء كفره. { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } بيان له، والتكرير للدلالة على عن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه، والمراد بالمقت وهو أشد البغض مقت الله وبالخسار خسار الآخرة.

{ قُلْ أَرَءَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يعني آلهتهم والإِضافة إليهم لأنهم جعلوهم شركاء الله أو لأنفسهم فيما يملكونه. { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } بدل من { أَرَءَيْتُمْ } بدل الاشتمال لأنه بمعنى أخبروني كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء أروني أي جزء من الأرض استبدوا بخلقه. { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أم لهم شركة مع الله في خلق السموات فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية. { أَمْ ءَاتَيْنَاهُم كِتَاباً } ينطق على أنا اتخذناهم شركاء. { فَهُمْ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّنْهُ } على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية، ويجوز أن يكون هم للمشركين كقوله تعالى: { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً } [الروم: 35] وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والكسائي «عَلَىٰ بَيّنَـٰتٍ» فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل. { بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعْضُهُم إِلاَّ غُرُوراً } لما نفى أنواع الحجج في ذلك أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الأسلاف الأخلاف، أو الرؤساء الأتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقرب إليه.

{ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَن تَزُولاَ } كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ، أو يمنعهما أن تزولا لأن الإِمساك منع. { وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ } ما أمسكهما. { مِن بَعْدِهِ } من بعد الله أو من بعد الزوال، والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى زائدة والثانية للابتداء. { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هداً كما قال تعالى: { { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } [مريم: 90].